
رزق المدني
ملك الوجبات متوج على عرش المائدة المغربية لا يستطيع أن ينازعه طبق آخر .
كل يوم جمعة تفرش له السجادة الحمراء فتلتئم على شرفه معظم الأسر ليكون مناسبة لصلة الرحم و لتدبر أحوال افراد الأسرة ومعيشتهم.
اصبح الحديث عنه لا يمثل مجرد وجبة غذائية، إنما جزءا أصيلا من تاريخ الثقافة الإجتماعية المغربية، حرص معظم الأسر المغربية عليه تشعر كأنه شبه مقدس، ومن عجيب إرتباط الناس به أنهم يحملون مكوناته واسرار طهيه أينما رحلوا بعيدا عن الوطن، أما عن مكوناته وفنون طهيه فالحديث حوله يطول .
منذ اكثر من عام، في أحد ايام الجمع حضر إمام المسجد بعد الصلاة وقال لي:
أبو محمد لا تتغدي … ليه خير ؟
أنا عازمك على كسكسي
لا بأس يا عزيزي فأهلا وسهلا بك، وأنا سأتكفل بالشاي او اللبن.. أيهما تحب أو الإثنين معا.
من يومها وكل اسبوع تقريبا نجتمع معا على طبق الكسكس محشوا بالمحبة في الله.
اليوم مع استمرار حظر صلاة الجمع تذكرته بعد ان اضطرتني الظروف للمبيت خارج مدينة بوزنيقة في مكان بعيد بحوالي عشرة كيلومترات، وبعد أن استيقظت هذا الصباح رحت افتش في المطبخ عن شيء افطر به فلم أجد سوى بيضة تشكو وحدتها مثلي وبقايا قطع خبز بالقمح من ليلة امس، وبطبيعة الحال الشاي وزيت العود اللذان لا يخلو بيت مغربي منهما .فقلت يجب ان اذهب للبقالة اشتري ما يلزمني، اتجهت الى ملابسي ابحث عن النقود لاشتري طعام الافطار والغذاء معا فالثلاجة خاوية إلا من الماء، وكانت المفاجأة اثناء بحثي.. لم أجد دراهم فتذكرت أني نسيت كل النقود هناك في المحل .
المشكلة أني لا أعرف احدا هنا حتى صاحب المنزل مسافر بعيدا، ولكي اعود للمحل في حاجة الى سيارة بقيمة لا تقل عن 50 درهما، و الجميل ان المطعم مغلق اليوم ..ما العمل.. إذن هل سأبقي بلا طعام حتى الغد؟.
فقلت في نفسي السيدة صاحبة محل البقالة التي اشتريت منها أكثر من مرة في ايام سابقة حين اذهب اليها واحكي لها ظروفي قد تعطيني ما اريد حتى تفرج على بالدراهم.
وبالفعل ارتديت ملابسي وهممت بفتح الباب ولكن..
..قلت ما موقفك لو رفضت تعطيك ما تريد ؟.
قتذكرت كلام امي رعاها الله ..صبري على بطني ولا صبر الجزار علي. ومع ذلك فتحت الباب و خرجت متجها الى البقالة..
حدثتني نفسي يا عم رزق استحمل شوية انت راجل كبير ولسه خارج من شهر رمضان يعني فيها ايه لما تصوم هذا النهار، قدماي مازالت تحملني ناحية البقالة و شهوة بطني مصرة على هزيمتي وقبل الوصول الى البقالة بأمتار تذكرت مناقب الإمام الصالح العادل الحاكم بأمر الله حين قال إن ثلاجته ظلت خاوية من أي طعام طيلة عشر سنوات إلا من الماء…هنا توقفت وقلت أليس من العيب ألا نقتدي بالأئمة الصالحين ونجعلهم إسوة لنا..
تسمرت قدماي في الأرض عدت الى الشقة انظر مرة الى الثلاجة والماء الموجود بها ومرة الى البيضة المسكينة وبراد الشاي الخاوي مرة اخرى.. وأنا أردد نجوع نجوع ويحيا الوطن .