
هوسبريس_خالد غوتي
في خطوة تُقرأ على نطاق واسع كمؤشر على الارتباك الدبلوماسي، ناور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مجددًا في خطابه حول قضية الصحراء المغربية، متجنبًا للمرة الأولى استخدام المفردات التي طالما شكلت العمود الفقري لأطروحة الجزائر، مثل “الاستفتاء” و”الاستقلال” و”مخطط التسوية”.
وخلال ندوة صحفية جمعته برئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، اكتفى تبون بتصريح باهت مفاده أن “الجزائر تدعم المبعوث الأممي وتؤيد حلاً سياسياً في إطار الشرعية الدولية”، في تراجع لافت عن الخطاب الصدامي الذي ميز السياسة الخارجية الجزائرية لسنوات في هذا الملف.
ويرى مراقبون أن هذا الخطاب الرمادي يعكس انكماشًا واضحًا في الموقف الجزائري، نتيجة الزخم المتصاعد الذي تحققه مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي تزداد تأييدًا داخل الأمم المتحدة ومعظم العواصم المؤثرة، كما أنه يُترجم واقعًا دبلوماسيًا جديدًا باتت الجزائر عاجزة فيه عن فرض سرديتها.
الأكثر دلالة في المشهد كان موقف الجانب الإيطالي، حيث امتنعت رئيسة الوزراء جورجا ميلوني عن تأييد ما جاء على لسان تبون، ولم تُدرج الملف ضمن أجندة المباحثات، في رسالة سياسية واضحة مفادها أن روما لا تنوي الانخراط في متاهات الخطاب المتجاوز الذي تتبناه الجزائر.
هذا الصمت الإيطالي، في مقابل ارتباك تبون، يُعزز الصورة المتزايدة لعزلة الجزائر إقليميًا ودوليًا، حتى من شركاء اعتادت الاعتماد عليهم في دعم مواقفها، كما يكرّس تحوّلاً نوعيًا في موازين الخطاب الدولي، الذي بات ينظر إلى الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي، جاد وذي مصداقية، يتماشى مع منطق الشرعية الدولية وتوازنات المنطقة.
وهكذا، يبدو أن الجزائر، التي ظلت لعقود تُعاند الحقائق عبر دبلوماسية جامدة، تجد نفسها اليوم في مفترق طرق حاد، حيث لم يعد يُجدي خطاب المراوغة، ولا التمسك بشعارات فقدت بريقها أمام دينامية مغربية متقدمة، وتحولات إقليمية ترسم ملامح جديدة للواقع السياسي والدبلوماسي في المنطقة المغاربية.