
فؤاد محجوب
يلقي كتاب ” الرأسمالية المعاصرة في أطرافها” للمركز الفلسطيني للتوثيق والنشر بتوقيع قيس عبدالكريم وسليمان الرياشي، الضوء على نقطة بداية ولادة «نظام » التخلف والتبعية في البلدان النامية، وهي تلك اللحظة التي جرت فيها المواجهة بين المراكز الرأسمالية الأوروبية في المرحلة الامبريالية، وبين بلدان لم يكن التراكم الأولي فيها قد وصل إلى المستوى الذي يُمكِنَه من بناء علاقات اقتصادية رأسمالية تقوم على هيمنة الإنتاج السلعي، وتشكيل السوق الرأسمالية الوطنية. وقد انتهت المواجهة إلى النتائج المعروفة، فباتت البلدان المتخلفة أسواقاً تابعة للأسواق الرأسمالية المركزية ومكملة لها.
أما الدول الآسيوية، التي اختُزِلت غالباً في دعاية المؤسسات المالية والنقدية، بتسمية «النمور الآسيوية»، (كوريا الجنوبية، تايوان، هونج كونج، سنغافورة)، من أجل تكريسها كنموذج للبلدان النامية الناجحة، فيرى الكتاب أنها تُقدم نموذجاً لبلدان نامية كسرت طوق التخلف بالتعاون مع المراكز الرأسمالية، وليس بالتناقض معها، فهي نجحت في انتزاع حصة لها في السوق العالمية، كما نجحت في استقبال الاستثمارات الأجنبية، فوفرت لها الضمانات والتسهيلات، أي ما يطلبه صندوق النقد والبنك الدوليين من كافة الدول النامية، ونجحت كذلك في تشكيل قطاع خاص يقود بجدارة عملية التنمية.
ولكن الكتاب يشدّد على أنّ تجربة التنمية في هذا الشريط الآسيوي، لا يمكن أن تكون معزولة، (وخاصة بالنسبة لكوريا الجنوبية وتايوان)، عن الحرب الباردة، التي أملت قيام الولايات المتحدة بتشكيل «محور استراتيجي» في المنطقة ضد الاتحاد السوڤييتي والصين الشعبية، وإعطاء وضع مميَّز لهذه البلدان لتنصيبها كنماذج (اقتصادية) ناجحة في وجه الدول الاشتراكية.
ويعتبر الكتاب أنّ التدفقات المالية المقدّمة كـ«مساعدات واستثمارات» من الولايات المتحدة إلى هذه البلدان، تندرج ضمن الفهم السابق؛ حيث تكثفت هذه المساعدات في إطار مشروع الأميركي، والذي شكل بعد الحرب امتداداً لمشروع مارشال المُخصص لإعادة إعمار أوروبا. كما بلغت الاستثمارات الأميركية في الفترة الممتدة بين عامي 1967 و 1980، في البلدان الآسيوية المعنية، ثلاثة أمثال حجم توظيفاتها في العالم عموماً. أما حجم الاستثمارات اليابانية فكانت أكبر من نظيرتها الأميركية.
وقد استفادت رؤوس الأموال الأجنبية المُستثَمرة في هذه البلدان من العمالة الرخيصة والقدرة الواسعة على تكثيف استغلال قوة العمل، ولم يكن إطار هذه الإفادة إطاراً اقتصاديا محضا، بل لعب التواطؤ بين البورجوازية المحلية والبورجوازية العالمية، ووجود إطار سياسي وقانوني عام دوراً مؤكداً في ذلك.