اليوم الوطني للإعلام والاتصال.. تداعيات كورونا تفرز تحولات بنيوية في القطاع

محمد إدسيموح

قيل في توصيف جائحة كورونا أنها تلقن الدروس للضمير الجمعي المحلي الذي لم يكن له سابق تجربة مع تحد من حجم الجائحة العالمية. ولعل هذا التوصيف يتناسب للغاية مع تعامل الإعلام المغربي مع “اللحظة غير المسبوقة”، ذلك أنه خاض معركة حامية على واجهتين؛ نقل الخبر الصحيح عن الفيروس المستجد وتحسيس المواطنين من جهة، والتصدي لسيل الإشاعات العرم من جهة ثانية.

وفي سياق الارتباك هذا، يحضر بيت المتنبي المشهور “عيد بأي حال عدت يا عيد…” ليشكل العنوان الأبرز لذكرى اليوم الوطني للإعلام والاتصال المصادف ل 15 نونبر، إذ تمثل هذه المناسبة، في العادة، لحظة للوقوف عند المكتسبات المحققة والسعي نحو تجاوز التحديات والنواقص، غير أن الأزمة الصحية أتت لتفرمل الدينامية التي يعرفها المشهد الإعلامي الوطني وتفتح آفاقا جديدة للإبداع واكتساب التجربة.

هذه الدينامية، التي تتوخى بالأساس تكريس حرية واستقلالية الاعلام وتعزيز بنيته التحتية بغية ضمان ممارسة تنافسية ومسؤولة في إطار تنزيل مبادئ الدستور ومقتضيـات النصـوص المؤطرة للقطاع، استكانت لما طفت على السطح أولويات مستعجلة مقرونة بالتصدي للجائحة.

والواقع أن الحديث عن المكتسبات إبان هذه السنة لا يكاد يجاوز منطق “الاستجابة للتداعيات”، إذ يكفي أن نجرد العناوين الكبرى للصحف لنقف عند الاهتمام الكبير بتوسيع عملية دعم المقاولات الصحفية المبرمجة برسم سنة 2020، والتي همت، من بين أشياء أخرى، دعم الصحفيين والمستخدمين بمقاولات الصحافة المكتوبة، وموردي المقاولات الصحفية، ومقاولات الطباعة.

وفي هذا الإطار، اعتبر مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، السيد عبد اللطيف بنصفية، أن قطاع الإعلام المغربي برمته عرف خلال سنة 2020 تحولات بنيوية جراء تداعيات أزمة (كوفيد-19)، التي جعلت من سنة 2020 سنة التحديات المجتمعية الكبرى بامتياز.

وأكد بنصفية، في تصريح، أن هذه التحولات البنيوية مست ثلاثة مستويات، تتمثل في التوسع في استخدام التكنولوجيا الرقمية، واعتماد مضامين مبتكرة وصيغ أكثر ملائمة لتطورات الوباء مع الانخراط في التعبئة الشاملة للمجتمع، فضلا عن التعبير عن الحاجة المتنامية إلى الدعم العمومي لمواجهة الهشاشة المادية.

وأشار الأستاذ الباحث في مجال الإعلام إلى أنه، بقدر ما عرفه القطاع الإعلامي هذه السنة من صمود في وجه تداعيات الأزمة، عبر عنه جميع الفاعلين في ميدان الإعلام بأساليب شتى (المضامين – الهيكلة المهنية)، فقد أظهرت الوضعية الحالية، مرة أخرى، “هشاشة النموذج الاقتصادي لمؤسساتنا الإعلامية”، وهو الأمر الذي دفع الحكومة لتدارك الأمر وتجديد دعمها.

وسجل بنصفية أن السمة المميزة للمرحلة تتجسد، أساسا، في عودة المواطنين والرأي العام إلى متابعة الإعلام الوطني خاصة العمومي منه، وأن الأخير اقترح بدائل تحريرية أكثر استجابة لانتظارات الجمهور.

واتسمت البدائل التحريرية، يضيف مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، بتعدد البرامج الإخبارية والندوات والبرامج التحسيسية والتحفيزية، والقرب المستدام من المواطن ومن أسئلته اليومية حول تداعيات الجائحة صحيا واقتصاديا واجتماعيا وتعليميا.

من ناحية أخرى، شدد بنصفية على أن سنة 2020 تشكل بداية لتحول في التفكير بشأن مسار الإعلام الوطني ودوره ونموذجه الاقتصادي، حيث تعددت اللقاءات الفكرية والأكاديمية والمهنية لتخوض في استراتيجيات وتوجهات مؤسساتنا الإعلامية العمومية والخاصة معا.

وبحسب الأستاذ الباحث في مجال الإعلام، برز الخيار التكنولوجي الرقمي كأحد السبل الأساسية التي يجب الاستثمار فيها بجدية، سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو العرض والنشر.

كما لاحظ أن السنة الجارية شكلت تحديا أكبر في ما يتعلق بالتكوين الإعلامي، فعلاوة على التأثر الشامل لمنظومة التربية والتعليم جراء الحالة الوبائية بالبلاد، طرح التكوين الإعلامي، الذي يستوجب العمل في فضاءات مهنية كاستوديوهات التسجيل وقاعات ومعدات التوضيب، صعوبات جمة على الأطقم التعليمية والتدريبية.

وهكذا، فتح باب الاجتهاد واقترحت حلول عبر منصات التكوين عن بعد، الذي أصبح هو الآخر خيارا تربويا استرتيجيا.

الأكيد أن مجال الإعلام لم يسلم من تبعات الفيروس المستجد، بل وجاءت الجائحة لتضيف إلى النواقص التقليدية، أي سؤال الجودة والالتزام بأخلاقيات المهنة، إشكاليات عويصة أخرى مثل تكوين الصحافيين والإعلاميين في مجال تدبير الأزمات والكوارث.

غير أن النعم تدثر أحيانا بلباس الأزمات، ولن تمضي المرحلة الحرجة دون أن تخلف رصيدا معتبرا يشحذ ذاكرة جيل الإعلاميين المواكبين لها ويعزز معارفهم وآليات اشتغالهم.

اترك تعليقاً