كان يحمل القفطان ذي اللون الأخضر المائل إلى الصفرة بيده اليمنى … و يدفع بولده كرسيه المتحرك باليد اليسرى …
أمّا القفطان فقد أمر خيّاطًا بإبداعه ليقدمه لزوجته هديةً مفاجئة علّ تنكيدها له و تنغيصها لحياته و حياة ابنه ينقص قليلا .
لقد تزوّجها بعد ما توفيت زوجته الأولى في حادثة سير تسبب فيها هو ، عندما كان يسوق سيارته الرخيصة القديمة و هو في حالة سكر …
و نفس الحادثة جعلت من ابنه معاقًا .
أما الابن فهو ابنه الوحيد من المرحومة … عمره اثنتا عشرة سنة .. مجتهد ، طيب ، صبور تقبّل الإعاقة تقبّل الحكماء … نحيف ، وسيم ،أبيض اللون كأمّــه … يبذل جهدًا جهيدًا في إدارة عجلتي كرسيّه المتحرك بذراعيه النحيفتين …
وصلا إلى الطريق المؤدية إلى الدّار … و كانت عبارة عن عقبة ، لا يصعدها الابن المعاق بكرسيه المتحرك إلا بشق النفس …
قال له يحثه على الإسراع :
ــ هيّا ، لنسرع يا بنيّ … لنفاجئ ماماك بالهدية …
ــ لا تقل لي ماما … فرق كبير بين ماما و زوجتك …
ــ ساعدني … أدر العجلتين ، و انا أدفع بك …
و دفع الكرسيّ بقوة …
صاح الطفل: احذر يا أبي … سيارة قادمة نحونا …
دفع الأب بابنه إلي الرصيف خوفًا من السيّارة …
سقط الطفل من الكرسي على الإسفلت …
خدش ذراعه الأيمن …
بدأ يبكي …
حمله الأب و وضعه على الكرسي …
قال له :
ــ اسكت من البكاء …لم يحدث شيء …
صاح الطفل و دموعه غزيرة :
ــ بل حدث و يحدث كلّ يوم مشاكل بسبب تهورك …
قتلت أمي في حادثة …
و حرمتني من نعمة المشي …
مسح وجهه بقبضته الصغيرة ، ثم تابع :
ــ و لم تفكر فيّ … تزوّجت …قبل أن يجف قبر ماما …
أراد أن يرد عليه و قد حنا قلبه ، لكن الولد تابع :
ــ لن ترضى عنك تلك الشريرة و لو اشتريت لها كلّ قفاطين الخيّاط …
رمى بالقفطان جانبًا … جلس القرفصاء … عانق فلذة كبدة … انخرط في بكاء يقطع نياط القلب :
ــ سامحني يا وليدي … يلعن أبوها و أبو القفطان …
محمد البسطي