في مثل هذا اليوم ،5 نونبر من سنة 1975،أعلن المغفور له الملك الحسن الثاني عن مسيرة خضراء نحو الصحراء ؛مسيرة فريدة من نوعها في تاريخ البشرية من أجل إعادة جزء من الأراضي إلى حضن الوطن الأب ؛ أراض مغتصبة، عاشت حقبة طويلة تحت نير الاستعمار حتى بات يعتقد أنها جزء من ترابه ما وراء البحار، وبالتالي لا حديث، بل لا يمكن الحديث عن إعادتها لأصحابها الشرعيين الحقيقيين .
وبما أن من طبيعة الاستعمار، في كل زمان ومكان، التعنت والإصرار على الاغتصاب، فإنه لم يرد أن يستجيب لمنطق التاريخ والواقع.. ولا لعلاقات أو وشائج الجوار، فكان الرفض والتنطُّع لكلّ نداء أو طلب من المغرب يتعلق بإعادة صحراءه.. إلى أن جاء نداء الحسن لتحرير الوطن..
وأمام هذا الواقع، لم يجد المغرب بُدّاً من فرض الأمر الواقع المتمَثِّل في القرار التاريخي للمسيرة الخضراء التي حبست أنفاس العالم وهو يتابع أصداء القرار التاريخي الجرّيء للملك الحسن الثاني الذي أعلن عنه ذات يوم من أيام شهر نونبر. فكان القرار التاريخي المصيري الذي استجاب وتجاوب معه أبناء وبنات ، ورجال ونساء الشعب المغربي … وتحركت المسيرة ،عبر القطارات والحافلات ومختلف أواع العربات ..وحتى سَيْراً على الأقدام: أقدام ثلاث مائة وخمسون ألفا من أبناء الشعب المغربي الأبِيِّ تزحف نحو الصحراء ،وتخترق الحدود الوهمية بكل عزم وإصرار، والعالم يتابع ،باندهاش هذا الحدث الفريد الذي يجري أمام عينيه؛ والخصوم ،أو من اختار منذ البداية، أن يكون خصما للمغرب والمغاربة ، ينظرون من طَرْف خَفِّيّ لهذا الحدث الذي هزّ كيانهم وزعزع الأرض تحت أقدامهم ، وأرْبَكَ خططهم وحساباتهم الرامية إلى خنق المغرب ، بل تشديد الخناق عليه ، لكي لا تقوم له قائمة ، لكن قرار الحسن الثاني كان هو الصخرة التي تحطمت عليها أحلام الحالمين ، ومغامرات المغامرين ، وقمار المقامرين الذين ضربوا أخماسا في أسداس ، ووضعوا كل الخطط والمؤامرات لحصار المملكة المغربية ومحاصرتها من دون أن يدري أيّ واحد منهم بأن خططهم ومؤامراتهم أصبحت مُتَجاوَزة، ولم تعد ذات بال ، فارْتَدّت عليهم ؛ وانقلب السِّحر على الساحر.. وبَطُل ما كانوا يُعِدُّون ويطبخون من مؤامرات من وراء حجاب،أو في السّرّ والعَلَن..وحبط ما كانوا يُدَبِّرون.
كانت المسيرة الخضراء، وستظل، درسا كبيرا وعظيما وعميقا من دروس الكبار والعظماء الذين يجود بهم التاريخ بين الفينة والأخرى من أجل إيقاظ الضمائر وتحرير الأوطان سلميا؛ كما كانت، وستظل، حدثا فريدا من نوعه لمن أراد أن يتَّعِظ ويعتبر.. ولا يصنع الأحداث إلا العظماء، ولا يغَيِّر مجرى التاريخ إلا القادة المُلْهَمون. وكان الحسن الثاني واحدا من هؤلاء العظماء والقادة..
ثلاثة وأربعون سنة مرت على حدث المسيرة الخضراء..فلنجعل منها مسيرة نحو المواطنة الحقَّة ؛المواطنة التي تجعل من المغاربة ذلك الشعب الذي سجّل أروع البطولات والمفاخر على امتداد القرون والعقود ؛ الشعب الذي يحمل وطنه في قلبه ويظل ،على الدوام، ينصت ويستمع لنبضاته؛ الشعب الذي تحطمت على إرادته الصلبة أطماع الطامعين منذ أن كان وطناً ودولة وشعبا، وأيضا ثقافة وحضارة سجلت أروع وأعظم الملاحم في التآزر والتآلف والتضامن والتضحية والفداء…