نحو بناء وطنية صادقة

هوسبريس ـ  عبد القادر العفسي

لم تعد الوطنية مرتبطة فقط بوثيقة المطالبة بالاستقلال ؛ و لم تعد الوطنية محصورة بأداء النشيد الوطني ؛ و لم تعد الوطنية متجسدة فقط برفع صور جلالة الملك ، إنّ الوطنية المغربية التي جعلت شعارها ” الله- الوطن- الملك ” لم تكن تروم الاكتفاء بالمظاهر و لكن كانت تقصد عمق ما تشمله هذه الكلمات الثلاث و بعدها الديني و الهوياتي و السياسي .

إن الامعان في الشعار المقدس للكينونة المغربية يقتضي بناء و وطنية صادقة قائمة على البعد العقائدي الانساني الاسلامي المتسامح الوسطي  نظرية وممارسة،  و الذي طوره المغاربة منذ قرون للتصدي لبراثين الفقه البدوي الوهابي و لانحرافاته  الارهابية و عمله الدؤوب على خلق وهم لدى الشعوب ، فتتغنى بأنها الأفضل لمجرد أننا مسلمون ، نعم ، إنه فكر اتكالي توهمي…

نعم ، إن المغرب هذه الجغرافيا التي تتماهى مع المغاربة ، هذه الجغرافيا التي جعلت لنا تاريخا قديما في التواصل و التعايش و قبول الآخر ، فلم تكن بلاد المغرب أبدا معزولة كبوادي شبه الجزيرة ، بالتالي فالتاريخ و الطبيعة و الانتاج الانساني في بلدنا لم تكن ماهيته لغة خشبية مع محيطه،  بل امتلك حرية القرار و السيادة و التفكير ببدائل متحركة حية للحياة الكريمة ، و داخل مجاله كانت له بدائل منفصلة عن الشرق في القدرة على المبادرة و التعدد متجسدة بغياب الاضطهاد أو حروب الهويات من منطلقات و مبادئ وطنيته و مبدأ الانصاف و العدل مما استعصى على كل المشاريع الدموية أن تستوطن أو توطن نفسها لتبذر بذور العداء أو تقسيم الدولة أو تدمر الهوية بين ما يجمع كل الأطراف على الجامع الوطني لنا كمغاربة في ثالوثه.

أما اختيار المغاربة لنظام ملكي فهذا ليس غريبا عليهم ، فنحن كنا دائما لدينا ” أكليد” و “السلطان ” و ملك  وهذا من فضل الله على هذا الوطن و من عبقرية هذا الشعب الذي آمن أنه لو كانت آلهة عديدة لفسد الأمر كله ، بهذا المعنى فإن الوطنية ليست شيء يورث،  بل هي شيء متجدد يجب بثه في النفوس والأجيال عوض تكريس نمطية ربط هذا المصطلح بالاستعمار و المقاومة ، بالتالي أليس هناك الآن رجال و نساء  وطنيون يعملون ، يكدون ، يبدعون … يقدمون من أجل هذا الوطن ؟ بلى ، موجودون ، لكن هو فقط زمن التيه نفتقد الى البوصلة لتجديد روح ” طريق الوحدة ” حتى أضحت الأجيال الشابة تتلاعب بها مافيات المخدرات و القرقوبي … و المثال لهم هو من يحمل أكبر سيف و يخرج ل ” يشرمل ” المواطنين من عباد الله .

نحن في حاجة الى الادراك بوطنيتنا التى هي أساس انتمائنا الى المواطنة التي تعترف بالإنسان  ، نحن بحاجة الى تلقيح السياسة و مؤسسات الدولة في التساوي أمام القانون ، نحن في حاجة أن نحيا مختلفين مع وجهة نظرنا و حقنا في الحياة بدل التمركز على الذات كأن الحقيقة نعيشها وحدنا ، نحن في حاجة ليعمل ” رجال البلاد ” على دعم كل المناهج و المبادرات و الخيارات التي من شأنها إعلاء قيم الوطنية و الانتماء و الافتخار بكينونتنا و بوجداننا ، رغم الصعاب و هي قاسية ، رغم الظروف و هي بائسة و تيئس ، لأن هذا الوطن ليس فرصة للاغتناء، بل هو قدر محتوم و جغرافيا تمتد في عروقنا ، و هذا الدين هو رسالة ايمانية رحمة للعالمين و ليس سوط العذاب ، و هذا النظام الملكي المتجذر فينا وفي شمال افريقيا يجعل كل المغاربة يحسون أنهم ملوك ..

نعم ، بهذه المشاعر يمكننا أن ننجز ، بهذه الأحاسيس الانسانية نمضى في الزمن خالدين و ليس بالانتخابات فقط بل عمل يومي ، و الوطن ليس مزرعة تحويل الانتاج  للجميع و فوق الجميع ، فإن كان أحد على استعداد ليعلنها بطرق مباشرة لبساطتها لأنها تؤسس للعمل المشترك  و الانسجام فهي تحفظ الاختلاف و الكرامة بشرط أن تكون وحدة في الموضوع : الوطن …و حفظ الله المغرب.

Related Posts

حرية التعبير بين الصحافة المهنية والفوضى في مواقع التواصل.

أكد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن المملكة المغربية تشهد تطورًا ملحوظًا في مجال حرية الرأي والتعبير والتعددية، مشيرًا إلى أن عدد المواقع الإلكترونية بالمغرب بلغ 988 موقعًا،…

انتقادات أوروبية حادة للجزائر بعد اعتقال الكاتب بوعلام صنصال

تواجه الجزائر موجة من الانتقادات في البرلمان الأوروبي عقب اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، على خلفية تصريحات طالت حدود البلاد، وقد أثار توقيف صنصال تنديدًا واسعًا اعتبره…

اترك تعليقاً

You Missed

القصر الكبير: تعيين جديد على رأس مصلحة شرطة المرور…. الضابط مصطفى الشاوي أمام تحديات كبرى.

القصر الكبير: تعيين جديد على رأس مصلحة شرطة المرور…. الضابط مصطفى الشاوي أمام تحديات كبرى.

قصف إرهابي على السمارة يكشف الوجه الدموي للبوليساريو.. والجزائر في قفص الاتهام.

قصف إرهابي على السمارة يكشف الوجه الدموي للبوليساريو.. والجزائر في قفص الاتهام.

إحباط مخطط إرهابي خطير في الرباط بتنسيق مغربي-فرنسي.

إحباط مخطط إرهابي خطير في الرباط بتنسيق مغربي-فرنسي.

طرفاية: مدير متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري يسلط الضوء على تاريخ المتحف ومكانته الرمزية.

طرفاية: مدير متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري يسلط الضوء على تاريخ المتحف ومكانته الرمزية.

خريطة المغرب الكاملة ترفرف في قمة الرقابة المالية بجنوب إفريقيا: إشعاع دبلوماسي ورسائل قوية.

خريطة المغرب الكاملة ترفرف في قمة الرقابة المالية بجنوب إفريقيا: إشعاع دبلوماسي ورسائل قوية.

المغرب يتولى رئاسة لجنة أممية للفضاء بفيينا بدعم إفريقي بالإجماع.

المغرب يتولى رئاسة لجنة أممية للفضاء بفيينا بدعم إفريقي بالإجماع.