
( اقصوصة)
عزمت العجوز الغضوب على القيام بنزهة في الغابة، فأعدت كل ما تقتضيه النزهة من فراش وأكل وفاكهة ومشروبات، واتجهت إلى الغابة في وقت الضحى.
في الطريق الترابي المنساب وسط الغابة، اعترضت طريقها غمامة بيضاء، حملتها هنيهة من الزمن، ثم تبخّرت لتسقط العجوز بهدوء على حمار وحشي عدا بها عدوًا إلى مكان النزهة.
تحت شجرة عظيمة وارفة الظلال، فرشت بُسُطها، ووضعت أكلها واضطجعت على جنبها، مستمتعة بالجو الربيعي الدافئ، متأملة الأشجار والنباتات والزهور، ثم استلقت على ظهرها معجبةً بأغصان الشجرة المتفرعة.
ثم انبطحت على بطنها حالمة، فإذا بها تقفز منزعجة أشد ما يكون الانزعاج، وهي ترتعش خوفًا ..
أفعى مزركشة بجانب جذع الشجرة تنظر إليها وهي تفحُّ فحيحًا ..
تراجعت العجوز وتناولت من الأرض غصنًا جافًّا، وهمّت بأن تهوى به على رأس الأفعى، لكن الأفعى وقفت عموديًّا وخاطبتها بلسان فصيح :
– أيتها العجوز الظالمة، ماذا تريدين فعله ؟
– أريد قتلك أيتها الدابة السامّة.
– ولماذا أيتها الإنسانة الشريرة ؟
– لأنك قد تلدغينني فأموت دون أن يعرف مكاني أحد ..
– ولماذا تعرضين نفسك للخطر ؟
– ماذا ؟
– من قدم عند الآخر ؟ من تهجّم على مسكن الآخر ؟ من طرق باب الآخر ؟
لم تُحر العجوز جوابًا ..
وتراجعت إلى الخلف حتّى سقطت من فوق سريرها. بسملت وحوقلت وحمدلت ومدّت يدها إلى زر الكهرباء. أنارت الغرفة. فتحت الباب خافقة القلب، وتوجهّت إلى غرفة نوم ابنها وزوجته.
ساعة الحائط كانت تشير إلى الثالثة ليلًا.
طرقت الباب بعنف.
فتح لها ابنها وزوجته، وقلباهما يكادان يُسمعان من فرط المفاجأة.
جمّعت الزوجة الشابة شجاعتها وسألت :
– دادا، هل من بأس ؟
مدّت العجوز يدها المرتعشة وأطبقت على عنق الفتاة صائحة :
– معك الحق أيتها الأفعى الرقطاء … أنا التي طرقت بابك .. أنا التي اخترتك من دون البنات .. أنا التي فرضتك على هذا الأهبل .. أنا التي ورّطت نفسي وابني في هذه المشكلة …
قاطعها ابنها قائلًا :
– اسم الله عليك يا أمي، هل نسيت شرب دوائك ؟
– لست حمقاء لتخاطبني هكذا …منذ ان تلوّت عليك هذه الأفعى، ونحن نعيش في شقاء ونكد.
ثم التفت إلى غرفتها وهي تتوعّد :
– والله لن أتركها في بيتي، مهما كان الثمن .. سأطلّقها وأزوجك بمن هي أفضل منها، يا عديم الشخصية.
محمد بسطي / 24-11- 2018