
في مشهد ينذر بالانفجار، تعيش مدينة “توري باتشيكو” التابعة لإقليم مورسيا الإسباني على وقع توتر غير مسبوق، بعدما تحوّلت حادثة اعتداء همجي على شيخ مسنّ، نُسبت لمجموعة من الشبان من أصول مغربية، إلى شرارة أوقدت نيران العنصرية والتحريض ضد الجالية المغربية برمتها.
ففي ساعات الليل الأخيرة، انفجرت شوارع المدينة على وقع احتجاجات غوغائية تحوّلت بسرعة إلى مواجهات عنيفة، تخللتها أعمال شغب وتخريب ورشق بالحجارة، وهتافات صريحة تدعو إلى طرد المغاربة وتحميلهم مسؤولية جماعية عن حادثة لا تزال تفاصيلها قيد التحقيق.
ورغم أن الجالية المغربية سارعت إلى تنظيم وقفة تضامنية حضارية، استنكرت من خلالها الجريمة ورفعت شعارات التعايش والسلام، مؤكدة أن الفعل المرتكب لا يمثل سوى صاحبه، إلا أن خطاب الكراهية تفوق على صوت العقل، في ظل صعود موجة اليمين المتطرف بقيادة حزب “فوكس” الذي استغل الحادثة لشن حملة تحريض ممنهجة ضد المهاجرين المغاربة.
فـ”فوكس” المعروف بعدائه المجاني للمغرب، أطلق من خلال منصاته الرسمية وغير الرسمية، دعوات صريحة لترحيل المغاربة، وروّج لروايات تحريضية خطيرة هدفها شيطنة الجالية وزرع الفتنة داخل المجتمع الإسباني. وقد لوحظ نشاط مكثف لأنصاره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انخرطوا في بث الكراهية وتأجيج الرأي العام، تحت غطاء الدفاع عن “الأمن القومي”، وهي نفس اللغة التي استخدمها الحزب من قبل في ملفات عديدة ذات طابع عنصري.
الجالية المغربية، التي تمثل أحد أعمدة الاقتصاد الإسباني عبر مساهمتها في مختلف القطاعات الحيوية، تجد نفسها اليوم ضحية خطاب عنصري متصاعد، يهدد أمنها واستقرارها، وسط تخوفات من أن تتحول هذه الحملة إلى سياسة رسمية في حال استمرار الصمت الحكومي المريب.
السلطات الإسبانية، ورغم تدخلها لتطويق الوضع وتعزيز الأمن بطلب من عمدة المدينة، إلا أنها لا تزال مطالبة برد حازم على حملات التحريض العلني، واتخاذ إجراءات ضد كل من يروّج للكراهية والعنف، سواء كانوا أفراداً أو تنظيمات حزبية.
وفي انتظار نتائج التحقيقات وتوقيف الجناة الحقيقيين، تظل الجالية المغربية بإسبانيا في وضع لا تُحسد عليه، بين مطرقة الاعتداءات وسندان حملات الترحيل، في بلد لطالما تغنّى بالديمقراطية وحقوق الإنسان.