يقبل الشعب التركي يوم الأحد القادم 14 ماي 2023 على إحدى أهم المحطات الانتخابية التي شهدتها تركيا خلال المئوية الاولى لجمهوريتها، ولعل أهم ما يميز هذه الانتخابات عن غيرها انها تأتي بعد 20 سنة من سيطرة حزب العدالة والتنمية على مفاصل الحكم في هذا البلد، وفوز زعيمها رجب طيب أردوغان بكل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها خلال هذه المدة، وإذا كان الأخير يواجه في السابق تشرذم أحزاب المعارضة وتشتت أصواتها بين مرشحيها المختلفين، فإن هذه المرة استطاعت المعارضة توحيد جهودها بهدف الاطاحة باردوغان، مدعومة بعدد من القوى الدولية الكبرى التي ضاقت ذرعا بسياسة أردوغان الخارجية ونفوذ تركيا القوي في عدد من الاقطار الدولية لاسيما بؤر التوتر عبر العالم، من سوريا، إلى ليبيا، إلى اوكرانيا، إلى الصراع مع اليونان، فضلا عن المكانة المتميزة التي صنعها “اردوغان” لتركيا على صعيد حلف الشمال الاطلسي، واعتماده على الصناعة المحلية للاسلحة والمعدات المرتبطة بها…
تنظم الانتخابات التركية هذه المرة على وقع استقطاب حاد بين المعارضة التي قررت ترشيح كليتشدار اوغلو” زعيم الشعب الجمهوري ذي الخلفية العلمانية المتطرفة، الذي يستغل بعض القضايا كالحجاب وقضية اللاجئين السوريين، والصناعات الدفاعية ليطلق وعودا بتسوية هذه الملفات، متهما أردوغان بأنه تسبب في ارتفاع التضخم في البلاد، وعجزه عن تحسين الأوضاع الاقتصادية التي تدهورت، مما أدى إلى انهيار العملة التركية “الليرة” وهي تحديات داخلية ارخت بظلالها على المشهد الانتخابي التركي، ناهيك عن شعار التغيير الذي يرفعه “اوغلو” محاولا استقطاب الشباب الذين سيصوتون لأول مرة لأنهم لم يعرفوا خلال 20 سنة الماضية سوى “اردوغان” متصدرا الحياة السياسية في البلد.
وعلى النقيض من ذلك يواصل “رجب طيب أردوغان ” حملته الانتخابية وسط حشود هائلة من المواطنين الأتراك الذين يحجون إلى تجمعاته الحزبية، اذ بلغ الحشد الجماهيري الذي نظمه في مطار أتاتورك القديم تجمع حوالي مليون و 700 الف شخص من كافة المشارب والأعمار، حيث يستغل الرئيس التركي هذه التجمعات ليعدد إنجازاته وانجازات حزبه في كافة المجالات من البنيات التحتية المختلفة،طرق،موانى،مطارات،وجسور، ناهيك عن الصناعات الدفاعية المحلية، وصناعة السيارات، فضلا عن الرهان الابرز الذي يؤكد عليه أردوغان وهو تعزيز مكانة تركيا على مستوى المحافل الدولية، وتدشين مئويتها الثانية بالدخول إلى نادي الدول العشر الكبرى، وهي منطلقات جعلت منه مرشحا يستطيع تسويق انجازاته بكيفية احترافية لا تخطئها أعين المتتبعين.
وبين هذا وذاك، فإن الانتخابات التركية المقبلة، ستضع تركيا في مفترق طرق جديد، ستنحو نحو عهد جديد اما ان تواصل على نفس النهج بأساليب واهداف، ورهانات جديدة، وتحديات داخلية كثيرة، واما ان تفرز واقعا سياسيا جديدا، لاشك انه سيوجه البوصلة في اتجاه جديد،ولايمكن التكهن هذه المرة بأي نتائج بالنظر إلى المنافسة الشرسة التي تشهدها هذه الانتخابات.
إسماعيل اكنكو
باحث في سلك الدكتوراه
القانون العام والعلاقات الدولية.