السياسة الخارجية للمغرب ونزاع الصحراء بين الدفاع والهجوم

لقد ظل المغرب، وطيلة سنوات طويلة، وهو يقارب نزاع الصحراء، في موقع الدفاع،”دفاع عن خيارات، وتصورات يعتقد أنها المثلى لتدبير هذا النزاع الذي عمر طويلا، وقد كلفه هذا الموقع سنوات من العشوائية والتخبط الذي ظل يسم عمل الديبلوماسية المغربية في تدبيرها للنزاع، ولعل الإحراج الذي ظل يخلقه خصوم المغرب في اروقة الأمم المتحدة كان كافيا ليراجع المغرب أوراقه في عدد من الملفات المحيطة بهذا النزاع والمتصلة اساسا بمجاله.

لعل المتتبعين لملف الصحراء، والعارفين بخبايا هذا الملف، سيلاحظون بلا شك تغير الخطاب المغربي، وتعامله مع هذا الموضوع، من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم على كل المناوئين، ولا مجال للحديث هنا عن المجهود الكبير الذي بذلته الديبلوماسية المغربية في إقناع عدد من الدول الإفريقية وغير الافريقية لافتتاح تمثيليات ديبلوماسية لها بالصحراء، وهو ما مكن المغرب من تعزيز موقعه التفاوضي، وتكريس مغربية الصحراء إنطلاقا من عمل هذه التمثيليات داخل الصحراء، وما يجسده ذلك من اعتراف ضمني بسيادة المغرب على كامل أراضيه، وقد تجلى ذلك اساسا في المعارك الطاحنة التي تخوضها الأطراف الاخرى، للسعي إلى ارباك هذا الإنجاز.

لعل مواضيع حقوق الإنسان بالصحراء،واستنزاف مواردها دون الاستثمار فيها، كانت من بين ابرز الاتهامات التي كانت تلاحق المغرب، وبدلا عن الاختباء وراء خطابات دفاعية لاتقدم ولاتؤخر في عمق الملف، والسعي إلى حله بصفة نهائية، فقد عمل المغرب على الرد بشكل حازم على الموضوع انطلاقا من إطلاق عدد من الأوراش التنموية بالمنطقة، وتيسير سبل العيش الكريم لابنائها، كما عمد إلى إجراء اكثر جرأة، وذلك من خلال استقبال ممثلي المنظمات الدولية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان، وتعزيز الاليات الوطنيه الفاعلةفي هذا المجال وفسح المجال امام هامش أوسع لحرية التعبير وتأسيس الجمعيات والتنظيمات الحقوقية.

ومما لا ريب فيه، ان المغرب بين بشكل صريح على تقمص دور المهاجم في المرحلة الأخيرة، وتجلى ذلك أيضا في ما بات يعرف بالازمة الدبلوماسية مع الالمان والاسبان على حد سواء، حيث هاجم المغرب بكل ما أوتي من قوة ديبلوماسية هاذين البلدين، وعرى ازدواجية خطابهما، ومواقفهما من المغرب فيما يتصل بالحفاظ على مصالحه الاستراتيجية، ومنها دعم المغرب في مقترحاته الداعية إلى التسويه السلمية لنزاع الصحراء، ووصلت هذه المعارك إلى حد سحب واستدعاء السفراء، وغيرها من انماط المعاملة بالمثل المتعارف عليها في القانون الدولي، في مشهد يجسد صورة المغرب القوي.

بين هذا وذاك، لابد من التذكير والتأكيد على أن المغرب قطع اشواط جد مهمة على درب تكريس موقعه القوي دوليا، وتعزيز موقعه الافريقي الذي نجح فيه إلى حد كبير، وأصبح معه بلدا فاعلا ومؤثرا في عدد من القضايا الإقليمية والدولية كالنزاع في ليبيا، وازمة مالي وغيرها، لكنه وبالرغم من ذلك فلا تزال عدد من الارتدادات المرتبطة بحقوق الإنسان وحرية الإعلام ترخي بظلالها على المشهد الوطني، على أمل معالجتها وتصفية الاجواء وخلق انفراج حقوقي وسياسي….

إسماعيل اكنكو.

باحث في سلك الدكتوراه.

القانون العام والعلوم السياسية.

جامعة محمد الخامس/الرباط.

اترك تعليقاً