
هوسبريس_خالد غوتي
كثيرًا ما نصدر أحكامًا متسرعة على قرارات سياسية كبرى، لأنها لا تنسجم مع قناعاتنا أو مشاعرنا تجاه قضايا عادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومن هذه القرارات، قرار المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل، الذي قوبل في البداية بانتقادات من فئات واسعة اعتادت قراءة الأحداث من منظور المواقف المبدئية، لا من زاوية الواقع المعقّد وتشابك المصالح.
غير أن من يقف في موقع المسؤولية، ويدرك ديناميات العلاقات الدولية، يرى أن بعض القرارات، وإن بدت صادمة، قد تفتح أبوابًا مغلقة وتخلق هامشًا للحركة السياسية والإنسانية، يمكن استثماره في التخفيف من معاناة الشعوب، كما هو حال الشعب الفلسطيني.
والحقيقة التي لا يمكن القفز عليها، أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قائم، سواء تم التطبيع أم لا، وأن اجتماع العرب والمسلمين في جبهة واحدة لطرد إسرائيل من الأرض المحتلة يبدو اليوم أبعد ما يكون عن الواقع.
في هذا السياق، يصبح التطبيع ليس نهاية للمبدأ، بل أداة يمكن توظيفها بحكمة لخدمة الفلسطينيين، خاصة في غزة، التي تعاني عزلة خانقة وكارثة إنسانية غير مسبوقة.
خير مثال على ذلك، ما أقدم عليه المغرب مؤخرًا، حين تمكن من إيصال مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة عبر البر، في وقت عجزت فيه دول عديدة عن إيصال مساعداتها إلا عبر عمليات إسقاط جوي، محفوفة بالمخاطر، وغير فعالة في كثير من الأحيان، وقد تحقق هذا الإنجاز بفضل المكانة الخاصة لجلالة الملك محمد السادس لدى عدد من القادة الإسرائيليين، وهو ما منح المغرب قدرة تفاوضية وإنسانية قلّ نظيرها.
هذا العمل لم يكن عملاً سياسياً بارداً، بل تحركًا إنسانيًا عميقًا نابعًا من مسؤولية تاريخية تجاه فلسطين، ومن رؤية مغربية تعتبر أن الدعم الفعلي أقوى من الشعارات، وأن تقديم العون للمظلومين أسمى من المزايدات الإعلامية.
لقد أثبت المغرب، مرة أخرى، أنه استثناء في المنطقة، بسياسة خارجية متوازنة، وقرارات سيادية تخدم في عمقها الإنسان، حتى وسط تعقيدات الجغرافيا والسياسة.