
بقلم الدكتور سيدي علي ماء العينين اكادير، غشت 2025.
كتب سيدي علي ماء العينين:
أتابع بإهتمام كبير النقاش الدائر في الاوساط الدينية المغربية حول إقدام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على إعفاء او توقيف أئمة و رؤساء مجالس علمية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها الوزارة على إعفاء مسؤولين يعملون ضمن هياكل الوزارة . لكن كلما كان الموقوف إسما مدعوما من جهة ما إلا واعيد نفس النقاش في الموضوع و بنفس المقاربات .!!!
من وجهة نظرنا ،يبدو الموضوع في ظاهره وكأنه تضييق على حرية التعبير و تضييق على العلماء و الفقهاء و المصلحين ، لكن هذا الظاهر خادع و مظلل . بل يمكن ان يكون عكس ذلك تماماً و يشكل مظهرا من مظاهر إحترام الرأي و الرأي الآخر ببلادنا.!!!
في المغرب يجب أن نقر جميعنا ان البلاد تمنح لمواطنيها عشرات الاختيارات للتعبير عن الرأي ، فهناك حق تأسيس الاحزاب و الانتماء اليها وحق تأسيس النقابات وحق النضال فيها ، وحق تأسيس الجمعيات و التعاونيات و جمعيات الآباء و جمعيات السكن . و منظمات طلابية و فصائل و جماعات رغم عدم الاعتراف بها قانونا الا انها في صلب هيكلة تنظيمات الدولة .
و العلماء و الفقهاء سواء منهم المجتهدون او المنتسبون الى جماعات او المتعاطفون مع توجهات ومذاهب خارجية ، كل هؤلاء لهم قنوات يعبرون فيها عن مواقفهم او حتى فتاويهم ، و منابر احزاب و نقابات وجمعيات ومدرجات بعض الكليات و قاعات الندوات في مختلف المدن و القرى ،
في المغرب هناك الجرائد الخاصة و المجلات و المواقع و دور النشر ، كلها تفسح المجال للجميع للتعبير عن مواقفه حسب تصوره وقناعاته.
وفي المغرب ـ وهنا بيت القصيد ـ ، مساجد منتشرة في كل المدن و القرى ، تقام فيها الصلوات الخمس و في غالبيتها تقام صلاة الجمعة .
هذه المساجد اريد لها ان تكون بيوت الله ، لا تفتح الا للصلاة و تغلق بعدها بدقائق ، و لا تلقى فيها الدروس الا بعلم مندوبية الوزارة .
خطيبها معين إماما وخطيبا وفق القوانين المنظمة لهذه المساجد و التي تعد مؤسسة تابعة لوزارة الأوقاف بلا منازع رغم انفتاح الوزارة على المجتمع المدني عبر جمعية المسجد و طلب الاحسان العمومي بها لبناء و تسيير المسجد .
الناس لا يأتون للمساجد حبا في خطيب او إمام ، وإن كان هذا هو السائد اليوم ، فالناس تذهب للصلاة ببيت الله .
حرصت الوزارة على سن قوانين صارمة لتدبير هذه المساجد خاصة مواعيد الصلاة ومعها مواعيد الفتح و الاغلاق ، و منع الصلوات الجماعية خارج الصلاة المقامة بالمسجد خلف الإمام ،منع التجمعات و النقاشات الجانبية بالمسجد ، نظافة المسجد و صندوق المسجد و الإعلانات ببابه ،
لكن اهم من هذا كله محراب الصلاة ، و كرسي الخطيب ، فلا يصلي بالناس الا من تعينه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،و لا يخطب في الناس الا خطيب معتمد يتوصل في كل جمعة بخطبة من الوزارة يتلوها على مسامع المصلين.
إنه منبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، و لا حق لأحد مهما علت درجة علمه او عل مقامه في البلد او له سلطة او نفوذ ان يتناول الكلمة في المسجد او أن يخاطب الناس بغير ما وضعته الوزارة الوصية .
بعض الأئمة ما إن يستقر به المقام في وظيفته ،و تكبر شعبيته ، الا واراد ان يكون أشبه بالمطرب الذي يغني ما يطلبه المستمعون ، فيتكلم عن مواضيع حولها خلاف ،و ينتقذ فئة في المجتمع على حساب اخرى ، و يتهجم على الفنانين و يدعو على دول بالخراب (من غير دولة اسرائيل) ،
هذا السلوك فيه مخالفتان لا تغتفران :
ـ اولها ان الخطيب نسي انه يتكلم من على منبر ليس له ، و ان خروجه عن خط تحريره معناه انه يستغل المسجد و المنبر للتعبير عن آراء شخصية وهذا يتعارض مع مهنته كموظف يعمل تحت اشراف الوزارة ووفق قوانين تدبير المساجد .
ثانيها : ان هذا السلوك يتهدد الاستقرار الديني للدولة عبر المس بأكبر اعمدة الشريعة فيها وهي المساجد ،فتخيلوا معي لو ترك الحبل للجميع وكل يغني على ليلاه ، فتصبح مساجدنا منابر للتدابز السياسي و الاجتهادات الفقهية خارج ملة الامة.
إنهيار منظومة المسجد ان تبقيه بيتا لله وليس والعياد بالله وكرا للشيطان.
و يقول قائل : وماذا عن رؤساء المجالس العلمية الجهوية و الإقليمية و المحلية ؟
لقد حدد المشرع مهام المجالس المحلية بالجهات و الاقاليم تحت اشراف المجلس العلمي الأعلى برئاسة امير المؤمنين محمد السادس نصره الله في مهام منها :القيام بالوعظ والإرشاد وتأطير المواطنين في الشؤون الدينية.و الإجابة على أسئلة المواطنين المتعلقة بالدين (الفتوى المحلية).و الإشراف على الكتاتيب القرآنية والتعليم الديني في المساجد. و تنظيم الندوات والمحاضرات والأنشطة العلمية والثقافية.و المساهمة في القضايا الاجتماعية والإنسانية.
لذلك فعملية التعيين في هذه اللجنة ، عضوية ورئاسة يخضع لمساطر جد دقيقة ، وتستهدف بالخصوص العلماء و الفقهاء الذين لديهم الاستطاعة ليتحولوا من المنابر الحرة الى منبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
ولا بد ان نذكر هنا الى ان نظام المجالس العلمية في المغرب يهدف إلى: حماية المذهب السني المالكي والعقيدة الأشعرية.و تأطير الحقل الديني وفقاً لثوابت الأمة المغربية.ونشر القيم الدينية والوطنية.و المساهمة في التنمية الاجتماعية والتربوية.و مواجهة التطرف الفكري والانحرافات الدينية.
هذا النظام يهدف إلى ضمان انسجام العمل الديني في المغرب تحت إشراف أمير المؤمنين، وتوحيد المرجعية الدينية، وتفعيل دور العلماء في الحياة العامة.
الذي يحدث هو ان بعض رؤساء المجالس العلمية توجه اليهم الدعوات لحضور أنشطة مدنية و احيانا مجالس ذكر بمناسبات عائلية ، و غيرها من الانشطة ، وفي مواقف معزولة ينسى الرئيس وضعه الاعتباري كممثل للدولة في الحقل الديني ،وان كلامه ومواقفه يجب ان تتطابق كلية مع الجهة التي تشغله وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
مخطئ من يعتقد ان الناس تجتمع في المساجد للاستماع اليه وهو ينتقذ الدولة ، فالناس تأتي الى مساجد الدولة لأداء الصلوات الخمس وتغادر الى حال سبيلها.
ومخطئ من ينتشي بدعوات توجه له في كل الأنشطة فيتماهى في الخطاب وينسى انه لسان حال الوزارة وهي من تؤدي اجرته بانتظام . وهي من انتقته وفق نظام صارم منحه المنصب وحرم غيره منه.
فعندما نسمع عن إعفاء امام او خطيب او رئيس مجلس علمي ، فمؤكد ان الوزارة اجتمع لديها ما يمكن اعتباره خروجا عن التعاقد الموقع بين الوزارة و الشخص المعني . اما بعدم اداء الدور كاملا او لشبهة استغلال المنصب لتمرير خطاب لا يعبر عن الموقف الرسمي للدولة مما يهدد الامن الروحي للمغاربة.
من يريد ان يعبر عن مواقفه الشخصية لا يجب ان يتلقى أجرة من الوزارة ، ومن يريد فضاء للتعبير عن مواقفه الشخصية فالمسجد ليس هو المكان المناسب له لانه بيت الله المحصور في الصلوات وخطب الوزارة.
سيذي المحتج ، منعت من منبر المسجد لانك لم تعد توصل الرسالة بأمانة ، و من حقك ان تنتقل الى العالم الازرق و تحدث لنفسك منبرا وتقول فيه ما تشاء و لن يحاسبك احد .
اما منابر المساجد فهي لوزارة الأوقاف ، ومن يريدها له ليعبر فيها عن ميولاته ، فليعلم ان بيوت الله لله وحده حتى ان امير المؤمنين منع ان تعلق صوره بالمساجد على غرار كل المؤسسات التابعة للدولة.
نقاش مغلوط اتهام الوزارة بالضييق على العلماء و الفقهاء ، فهذا أمر غير صحيح ، والصحيح أنها تمارس الرقابة الواجبة على من اختارتهم ليكونوا لسان الوزارة بين الناس ، وقبلوا بالدور و انقلبوا عليه !!!!!!
و حرية العبادة مضمونة و المساجد مفتوحة للصلاة ، و كل امام وخطيب يعرف إطار عمله ومؤمن به ، فهو بمنصبه معزز مكرم ،
فهل تعتبرون ؟