في خطوة لافتة تعكس حجم الارتباك السياسي الذي تعيشه الجزائر، صادق مجلس الوزراء الجزائري برئاسة عبد المجيد تبون على مشروع قانون جديد للتعبئة العامة، في وقت تتوالى فيه الضربات الدبلوماسية ضد الطرح الانفصالي الذي تتبناه الجزائر بشأن الصحراء المغربية.
ما وراء “الجاهزية الوطنية”؟
ورغم أن النص الرسمي يقدّم المشروع في إطار “تعزيز الجاهزية الوطنية لمواجهة الأزمات”، إلا أن المراقبين يرون فيه مؤشراً على قلق داخلي متزايد، ووعياً رسمياً بتراجع الدعم الخارجي لأطروحة الانفصال التي تبنّتها الجزائر لعقود.
انتكاسات متوالية في الجبهة الدبلوماسية
ويأتي هذا القانون في ظرف دقيق، طبعته عدة انتكاسات دبلوماسية لحلفاء الجزائر، وتقدّم متواصل للمغرب في تثبيت مشروعية وحدته الترابية، عبر موجات اعترافات دولية، وافتتاح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، بالإضافة إلى تغير لهجة عدد من العواصم التي كانت إلى وقت قريب تلتزم الحياد تجاه النزاع.
قانون بتأويلات متعددة
ويتّسع نطاق القانون الجديد ليشمل التجنيد المدني في قطاعات مثل الصحة، التعليم، والنقل، ما يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية وراءه، ففي نظر العديد من المحللين، لا يتعلق الأمر فقط بإعادة تنظيم العمل التعبوي، بل بمحاولة خلق تعبئة سياسية واجتماعية خلف القيادة، وصناعة إجماع داخلي تحت عنوان “العدو الخارجي”، والذي غالباً ما يُلمّح إليه بالمغرب.
البلعمشي: القانون نتيجة ارتباك سياسي إقليمي
في هذا السياق، يرى الدكتور عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية، أن القانون يعكس تخوفاً جزائرياً متزايداً من التحولات الجيوسياسية التي لم تكن لصالحها، لاسيما مع ما وصفه بـ”الزحف الدبلوماسي المغربي”، الذي بات يُحرج النظام الجزائري ويدفعه إلى مراجعة أدواته الدفاعية داخلياً.
مخيمات تندوف… مصدر قلق إضافي
ولا يُخفي الخبراء أن الأوضاع داخل مخيمات تندوف – التي تعيش على وقع انفلاتات أمنية وخلافات داخلية – ساهمت بدورها في تأجيج القلق داخل القيادة الجزائرية، التي أصبحت تدرك أن الحليف الانفصالي لم يعد قادراً على لعب دوره كأداة استراتيجية فعالة في مشروعها الإقليمي.
رسالة داخلية قبل أن تكون خارجية
بهذا المعنى، يظهر قانون التعبئة كمحاولة متأخرة لإعادة ضبط الإيقاع الداخلي، في ظل اهتزاز الصفوف وتراجع الثقة الشعبية في السياسات الخارجية للنظام، وهي خطوة توحي بأن الجزائر لا تملك اليوم أوراقاً قوية في معركتها الدبلوماسية، سوى تصدير خطاب الطوارئ، وتغذية الشعور بالخطر الخارجي، كغطاء لتماسك داخلي هشّ.
التعبئة ضد العزل
يبدو أن “التعبئة العامة” في الجزائر، هي تعبئة ضد العزلة أكثر منها استعداد لحرب، ومحاولة لترميم بيت سياسي تآكل بفعل اختيارات خاطئة، وقضية خاسرة اسمها “الانفصال”.