الصحراء المغربية: قراءة في إحاطة ستافان دي ميستورا أمام مجلس الأمن.

       قدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، إحاطة جديدة أمام مجلس الأمن، عكست مرة أخرى ما يمكن اعتباره سياسة المراوحة في المكان، والمراهنة على الغموض بدل الحسم في الواقع السياسي والقانوني للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

ورغم أن دي ميستورا تحدث في بداية كلمته عن أمله في أن يكون بحلول أبريل 2025 قادراً على تقديم تقرير يُظهر تقدماً نحو حل “عادل ودائم ومتوافق عليه”، إلا أن مضمون إحاطته خضع لانتقائية ملحوظة في اختيار الأحداث والتطورات، ما يطرح أسئلة مشروعة حول حياده المفترض كمبعوث أممي.

التركيز على “الرماد”… وتجاهل “النار”

       دي ميستورا لم يتردد في الإشارة إلى ما أسماه “تطورين ثنائيين” يمكن أن يساعدا في التهدئة، وهما زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن، واللقاء الذي جمع وزير الخارجية الفرنسي بنظيره الجزائري في الجزائر، لكنه في المقابل، أغفل الإشارة إلى التطورات الميدانية والسياسية الحاسمة التي تُبرز الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، والتي تبنّتها أكثر من 90 دولة حول العالم، وهو ما يُعتبر مؤشراً سياسياً لا يمكن القفز عليه.

كما أن تأكيد وزير الخارجية الأمريكي على دعم المبادرة المغربية بوصفها “حلاً جدياً وذو مصداقية”، وإصراره على أن يكون الحل “متوافقاً عليه”، عُرض بشكل يفتقد إلى قوة الوضوح، وكأن الهدف هو تدوير الزوايا بدلاً من الوقوف على الوقائع الصلبة.

غض الطرف عن حقيقة “الطرف الآخر”

       من المثير أن دي ميستورا ما زال يتعامل مع جبهة البوليساريو وكأنها طرف سياسي متكامل، في وقت تُواجه فيه هذه الجبهة عزلة دبلوماسية دولية وتراجعاً داخلياً بين سكان المخيمات، فهو لم يشر بتاتاً إلى مسؤولية الجبهة عن خرق وقف إطلاق النار، ولا عن طرد بعثة المينورسو من مناطق تواجدها شرق الجدار، وهي ممارسات تمس بمصداقية أي مسار تفاوضي.

وعوض ذلك، ركز المبعوث الأممي على “معاناة اللاجئين في مخيمات تندوف”، متغاضياً عن كون هذه المعاناة هي نتيجة مباشرة لرفض الجزائر إحصاء هؤلاء السكان، وفرضها الحصار على حرية تنقلهم، وهو ما يُعد انتهاكاً صارخاً للمواثيق الإنسانية.

محاولات مكشوفة لتليين موقف البوليساريو

       ومن اللافت أن دي ميستورا قدّم ثلاث “رسائل أمريكية” كما لو أنها تدعم مقاربة توفيقية تقر ضمناً بشرعية مطالب البوليساريو، رغم أن فحواها يؤكد العكس، فتأكيد واشنطن على “حل متوافق عليه” و”جديّة الحكم الذاتي” هو في جوهره دعم للرؤية المغربية، لا مبرر لتحويره أو تركه عرضة للتأويل.

كما أن حديثه عن ضرورة إشراك النساء الصحراويات والشباب في العملية السياسية، لا يمكن فصله عن محاولة إضفاء طابع “قضية شعب” على واقع تتحكم فيه قيادة مفروضة بالسلاح، وتفتقر إلى أي شرعية ديمقراطية أو تمثيلية.

في الذكرى الخمسين… استمرار التماهي مع خطاب الأزمة

      في نهاية إحاطته، أشار دي ميستورا إلى أن 2025 تصادف الذكرى الخمسين لإدراج ملف الصحراء في أجندة الأمم المتحدة، غير أنه لم يستثمر هذا المعطى لتأكيد ضرورة تجاوز هذا الملف، بالحسم فيه وفق المرجعيات الأممية الواضحة، التي تدعو إلى حل سياسي واقعي وعملي ومبني على التوافق، بل أعاد إنتاج خطاب الأزمة وإطالة أمد النزاع.

إن إحاطة ستافان دي ميستورا الأخيرة تُظهر أنه ما يزال يراوح في منطقة رمادية بين الواقع والمناورة، بين الإنصات للشرعية الدولية و”مجاملة” أطراف تستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه، وهذا ما يستدعي من مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة إعادة تقييم دوره ونهجه، حمايةً لمصداقية المنظمة، ودعماً لمسار السلام الحقيقي، الذي يمر حتماً عبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية تحت السيادة الوطنية.

بقلم خالد غوتي

اترك تعليقاً