في جلسة الإحاطة الأخيرة التي عقدها مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية، لم يكن تصريح المسؤول الأممي الروسي ألكسندر إيفانكو، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة “المينورسو”، مجرّد إشادة عابرة، بل شهادة دولية تُرفع لها القبعات، حين أكد أمام العالم أن القوات المسلحة الملكية المغربية تتحلى بضبط نفس استثنائي.
لكن “ضبط النفس” في قاموس القوات المسلحة الملكية ليس مجرد امتناع عن الرد، بل هو مبدأ راسخ في العقيدة العسكرية الوطنية، نابع من ثقة مطلقة في القوة، وحكمة عليا في التدبير، وانضباط صارم لا تزعزعه لا أصوات الرصاص العبثي، ولا عربدة الانفصال، ولا المناورات الإعلامية الرخيصة.
ضبط النفس المغربي لا يعكس ضعفاً، بل هو التجسيد الأسمى للقوة الهادئة… القوة التي تعرف متى تتحرك، ومتى تلتزم الصبر، ومتى تترك المجال للشرعية الدولية كي تقوم بدورها، دون أن تتخلى للحظة عن واجب حماية السيادة الوطنية.
إن القوات المسلحة الملكية، بتاريخها المجيد وبمستواها الاحترافي، ترابط على أرضها بثقة القوي الذي لا يهاب، وتراقب بعيون النسر كل تحرك، وتُدير التوازنات الإقليمية بدهاء استراتيجي قلّ نظيره. هي لا تنجرّ وراء الاستفزازات، لأنها تدرك أن معركة السيادة لا تُحسم فقط بالمدافع، بل بالحكمة، والصبر، والانضباط.
لقد سبق أن أبانت عن قدرتها على الحسم السريع والحاسم، كما حصل في معبر الگرگرات، لكنها اختارت أن تفتح المجال للدبلوماسية، وأن تعطي للأمم المتحدة فرصة للقيام بواجبها، قبل أن تُضطر لحسم الأمور إن اقتضى الحال، وهذا هو الفارق بين جيش وطني محترف، ومليشيات مرتزقة تتغذى على الفوضى.
وفي مقابل هذا الموقف الوطني الشريف، يظهر ستافان دي ميستورا متردداً، ضبابي الموقف، عاجزاً عن تسمية الأشياء بمسمياتها. لا يجرؤ على تحميل الانفصاليين مسؤولية الخروقات، ولا يعبّر عن حجم التقدير الذي تحظى به مبادرة الحكم الذاتي، ولا يترجم في تقريره حقيقة الميدان، التي تقول بوضوح: المغرب في موقع سيادي شرعي، وجيشه هو عنوان الأمن في المنطقة.
القوات المسلحة الملكية، بهذا الانضباط النادر، لا تكتفي بحماية الوطن، بل تحمي سمعة الدولة، وتحافظ على صدقية المواقف المغربية في المحافل الدولية. إنها تُعلّم العالم كيف يكون الالتزام بالشرعية، دون التفريط في السيادة، وكيف يكون التمسك بالسلم، دون التخلي عن القوة.
في وقت ترتبك فيه مواقف بعض الدبلوماسيين الأمميين، تقف القوات المسلحة الملكية شامخة، حازمة، واثقة، متسلحة بروح وطنية عالية، ورؤية استراتيجية عميقة، تجعل من كل رصاصة تنطلق من الطرف الآخر مجرد صدى يرتطم بجدار الحكمة المغربية.
بقلم خالد غوتي