
مصطفى سلمى ولد سيدي مولود
رغم ان الجزائر في وضع لا تحسد عليه داخليا و خارجيا و تحيط بها النزاعات و التوترات من كل جانب، لكنها تبقى قوة إقليمية لها حساباتها الخاصة و رؤيتها للتوازن في المنطقة، سواء اختلفنا او اتفقنا مع تلك الرؤية.
و أمام المكاسب التي حصلها و يحصلها المغرب، خاصة في ما يتعلق بنزاع الصحراء و الاستقرار الداخلي و التنمية و تقدمه على خصمه و غريمه الجزائر دوليا و إقليميا، و تحت ضغط أزمتها الداخلية المتفاقمة، و إذا ما حشرت في الزاوية. قد يضطر الحاكمون في الجزائر تصريفا لأزمتهم الداخلية و عرقلة لمشاريع المغرب او دفاعا عن مصالحهم في المنطقة، الى الدخول في حرب عسكرية مباشرة مع المغرب لا تعرف حدودها و مداها و ما إذا كانت ستقتصر ساحتها على الصحراء، ام ستمتد من البحر الابيض المتوسط شمالا الى المحيط الاطلسي في عمق الصحراء جنوبا. فالتوتر ما فتئ يتصاعد في المنطقة و خاصة بعد الاجتماع الاخير لمجلس الامن حول الحالة في الصحراء شهر اكتوبر الماضي، و الاحداث المتلاحقة التي تلته.
المغرب حاز كل الصحراء النافعة، و يتقدم على المستوى الديبلوماسي في حشد الدعم لمقترحه الحكم الذاتي، و يشتغل لسحب اعتراف الاتحاد الافريقي بالجمهورية الصحراوية، ليلغي فكرة الدولة الصحراوية التي كانت تسوق لها الجزائر، و يقطع الطريق على إحتمالية إستغلال عضوية الجمهورية الصحراوية في الاتحاد الافريقي لعقد اتفاق دفاع مشترك قد تتخذه أي جهة ذريعة و مبرر لتدخل عسكري محتمل في نزاع الصحراء.
و جبهة البوليساريو اعلنت تنصلها من وقف اطلاق النار، و حالة النفير و التعبئة العامة في المخيمات، و تهدد بتوسيع عملياتها العسكرية إن بقيت الامور على ماهي عليه على الارض، و لم تعد العملية السياسية لسابق عهدها و يلتزم المغرب بالاتفاق العسكري رقم 1.
فقيادة الجبهة المحبطة من تعثر مسلسل التسوية الاممي، زاد من مشاكلها استكمال المغرب حزامه الدفاعي حول كامل الصحراء النافعة بعد ضمه لمنطقة الكركرات، و عدم تدخل الهيئة الاممية و مجلس الامن لارجاع الامور الى ماكانت عليه قبل 13 نوفمبر، و لم يبق أمامها غير رمي المنشفة و القبول بما يقترحه المغرب، او العودة الى الحرب حتى ولو كانت احتمالات نجاحها محدودة.
و الجزائر التي تسند البوليساريو، و تعتبر نفسها فاعلا أساسيا في نزاع الصحراء، رأت ان المغرب تصرف بطريقة أحادية، و يتقدم نحو حسم النزاع لصالحه على حساب مصالحها، فأشهرت سلاح التهديد بالدخول في الحرب و ربطت قضية الصحراء بامنها القومي و عمقها الاستراتيجي، و شرعت لجيشها التدخل خارج الحدود، من أجل الضغط على القوى العظمى، و خاصة اوروبا و الولايات المتحدة الامريكية للتدخل و منع تدهور الامور في الصحراء، و احترام مصالحها في المنطقة، و ما زالت تجاهر برفضها الخطوات التي قام بها المغرب و حلفائه على الصعيدين الميداني و الديبلوماسي فيما يخص نزاع الصحراء.
و امام صعوبة ان يحصل أي تقدم في عملية التسوية السلمية لملف النزاع الذي ترعاه الامم المتحدة في المدى القريب، بسبب تعقيدات الوضع الميداني، و انقضاء عهدة الامين العام انطونيو غوتيريس نهاية هذا العام، تبقى الامور رهينة بتفاهمات القوى العظمى، و مصالحها مع كل طرف. و لن تتضح معالم المرحلة القادمة من نزاع الصحراء قبل شهر او شهرين من الآن كاقصى تقدير، و الى حينه سيظل الترقب سيد الموقف، و إن كانت بعض القوى الدولية لا تخدمها حرب شاملة في شمال غرب افريقيا، و خاصة أوروبا التي لن تسلم من شظاياها و ستكون المتضرر المباشر منها اقتصاديا و امنيا. فإنه لا يستبعد ان تعود قضية الصحراء الى دائرة الحرب الباردة و الصراعات الدولية بين القوى العظمى: امريكا و اوروبا من جهة و روسيا و الصين من جهة.
الآراء في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “هوسبريس ” وإنما عن رأي صاحبها.