تساؤلات على هامش دعوة

الدكتور عبدالرحيم بوعيدة

..في الوقت الذي تحافظ فيه دول العالم على نسقها السياسي الذي أفرز حكومات واجهت أزمة كورونا بشكل عادي دون أن يطالب البعض من هذه الدول بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات حسب التعبير المغربي، تطلع علينا هنا بعض الأصوات التي تصر على إعادة عقارب الساعة للوراء بدعوة جديدة مفادها الحاجة لحكومة وحدة وطنية لمواجهة تداعيات الوباء، والحقيقة أن هذه الدعوة غير مفاجئة على اعتبار أن زمن الجائحة هو نفسه زمن الفرص، فمن محاولة تمرير مشروع قانون 20.22 إلى الحكومة الوطنية..

فهل نحن أمام أزمة صحية تشكل الجائحة أحد تمظهراتها الرئيسية؟ أم إزاء أزمة استثنائية تتطلب كل هذا التسويق من طرف البعض لهذه الحكومة، وكأن المغرب وحده في العالم  من  سيواجه  تداعيات  كورونا !!

فهل يمكن إدراج مثل هذه الدعوة ضمن محاولة الترميم التي تسعى بعض الأحزاب إلى القيام بها في أفق الإستعداد للإنتخابات القادمة مستغلة الوباء كفرصة للإنجاز من داخل الأزمة..؟

لاشك أن الجميع متفق على أن هذه الحكومة رغم اعطابها قد واجهت أزمة كورونا بتدابير استباقية تحت إشراف ملك البلاد، وبالتالي يجب أن تكمل ولايتها بمواجهة تداعيات الأزمة وفق اختصاصاتها الدستورية كباقي حكومات العالم..

اذا ما الغاية من الدعوة لحكومة وطنية ونحن إزاء حكومة منتخبة في شق منها وتكنوقراطية في شق آخر وسيادية في شق ثالث..؟

ندرك جيدا ان الأحزاب السياسية في المغرب تعاني خللا بنيويا يعمق الفراغ الذي تعيشه، مما يدفعها أحيانا كثيرة لخلق مجموعة من النقاشات العقيمة التي تؤدي إلى المزيد من تأزيم المشهد السياسي، اضافة لضعف منتوجها وعدم قدرتها على خلق آليات تواصلية جديدة تكسب بها ثقة المواطنين.

إن طرح مثل هذه النقاشات الآن يفرغ العملية السياسية من مضمونها ويخلق لدى المواطن العادي نوعا من الالتباس حول الجدوى من الإنتخابات وهدر المال العام مادام في النهاية يمكن إلغاء كل شيء في لحظة..

إن طرح هذا النوع من النقاش في زمن الأزمة الذي نحتاج فيه لتصورات أكثر فعالية وافادة وقرب من المواطن يزكي للأسف الشديد صورة الأحزاب المغردة دوما خارج السرب، والتي تطرح طريقة عملها واستراتيجيتها أكثر من علامات استفهام كثيرة، خصوصا وأن أغلبها لازال غير قادر على فك الارتباط بنفس النخب الريعية التي تشكل جزءا من أزمة المغرب..

إن عاهل المملكة بفضل سلطاته الدستورية والتاريخية يعد طبقا لاحكام الفصل 42 من الدستور ضامنا لاستقرار البلاد وحسن سير المؤسسات، وقد تبلور هذا الدور في القيام بعدة مبادرات في زمن أزمة كورونا تكلفت الحكومة بالسهر على تنفيدها.

..وضمن هذا التأطير الدستوري لايمكن أن نفهم دعوة البعض لحكومة وطنية إلا في سياق تحوير النقاش عبر خلق أزمة غير موجودة، وجعل الوباء فرصة مواتية للالتفاف على التراكم الديمقراطي الذي حققه المغرب بالرغم من كل المطبات والعراقيل..

إن دعوات كهذه لا يمكن اعتبارها بريئة ولا خارج سياق الزمن السياسي نفسه الذي نعيشه، إنها تعبر ببساطة عن أزمة الفاعل السياسي وعدم قدرته على حسم أوراق الإنتخابات القادمة، حتى وإن أجلت إلا من داخل خلق أزمة..

بالإضافة إلى أن الحديث مجددا عن حكومة كفاءات يفرغ الأحزاب نفسها من أي دور على اعتبار أنها لاترى في لحظة الإنتخابات سوى عدد المقاعد، وليس مستقبل الوطن لأنها تعتمد في جزء منها على أصحاب الأموال المشبوهة، القادرين على حسم أي نزال انتخابي، لكنها لاتجد في السير الذاتية لهؤلاء إلا القليل الصالح للمسؤولية، وهنا تكمن الأزمة التي تدفع بالبعض للمطالبة بإنزال مايسمى Le parachutage politique وصبغهم بأي لون سياسي أو بالبحث عن كفاءات من خارج المشهد السياسي ،وسواء كان الأمر هذا أو ذاك فلا بد من الإشارة إلى أن تجربة تطعيم الحكومة بكفاءات جديدة لازالت عالقة في الأذهان ويطرح معها سؤال الكفاءة نفسه والقيمة المضافة..

أن تكون الدعوة لحكومة وطنية من الفاعل السياسي أمر مفهوم، لكن أن يدخل الباحث والمثقف في آليات الدعوة هو الذي يطرح أكثر من علامة استفهام لان المثقف مدعو الى وضع مسافة نقدية بين الأكاديمي والسياسي كما هو متعارف عليه في حقل العلوم الإجتماعية..

عموما الأزمات مهما كانت قساوتها تحمل فرصا للتغيير ولقراءة المتغيرات حتى في تعاطي المواطن مع الأحداث في زمن الثورة المعلوماتية  وللأسف بدل أن تكون كل هذه الاعطاب التي عرتها كورونا درسا لنا لإعادة تشكيل مشهد سياسي قوي يستطيع أن يواجه الأزمات، هناك من يريد هدمه والركوب فوق الأزمة لتحقيق مآرب سياسية..

كورونا للأسف ليس حدثا عاديا، إنه وشم في الذاكرة أظهر أننا فرطنا كثيرا في مغرب جميل بمتطلبات قليلة، وأظهر أيضا أن الفقر والجهل والتخلف ليس قدرا من الله، ولكنه من صنعنا جميعا حتى بالصمت العاجز عن الكلام..

الديمقراطية هي الحل..

وكل حكومة وحدة وطنية ونحن سالمين وحفظ الله بلدنا..

اترك تعليقاً