عبدالنبي مصلوحي
بالتأمل في مجمل مشاريع ما يسمى بإصلاح التعليم في المغرب ، يبدو أن هذا الأخير لم يكن يوما هدفا حقيقيا لتقويم حقيقي، بقدر ما كان دائما، وفي كل المراحل، فأر تجارب بيداغوجية وقانونية من أجل أن يكون ورشا كبيرا بأقل تكلفة مالية، إلا أن الظروف كانت تحكم دائما عند نهاية كل برنامج بنتيجة يكون فيها أقل جودة وأكبر فراغ معرفي وقيمي بأكبر كلفة مادية، على غرار المخطط الاستعجالي الذي ابتلع كثيرا من الملايير دون تحقيق نتيجة تذكر، الوزارة نفسها اعترفت في النهاية أنه ورش فاشل، و لم يحقق شيئا يذكر لفائدة المنظومة التعليمية.
منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، تلك السنوات التي وقف فيها المغرب بسبب مواسم الجفاف المتتابعة والبيروقراطية الإدارية والفساد على حافة الإفلاس، حيث البلاد عجزت عن تأمين حاجياتها من الواردات وتسديد ديونها، فتدخل صندوق النقد الدولي وفرض سياسة التقويم الهيكلي التي مازالت آثارها بادية إلى اليوم، منذ ذلك الوقت والدولة تفكر وتخطط من أجل ابتكار وصفة سحرية تتقلص معها كلفة ما تنتجه المدرسة العمومية من تعليم، كانت البداية بتقليص ميزانيات التجهيز وإضافة السادس إلى الابتدائي، وحرمان عدد واسع من الطلبة الجامعيين من المنح، وإغلاق عدد من مراكز التكوين، فكانت النتيجة أن تضاعف عدد التلاميذ داخل الفصول الدراسية، وأصبح الاكتظاظ علامة بارزة داخل المدرسة العمومية، وبالمقابل تم فتح الباب لرأس المال والاستثمار في مجال التعليم، فنبتت المؤسسات الخاصة كالفطر بفضل التشجيع والتسهيلات التي تقدمها الدولة، فأصبحنا أمام تعليمين، تعليم عمومي، هاجسه تقديم خدمة، بغض النظر عن الجودة، بأقل كلفة، وتعليم خصوصي هاجسه تقديم خدمة، أكثر جودة بأكبر كلفة تتحملها الأسر والعائلات.
وهي خطة خطيرة، أفرزت واقعا جديدا للمدرسة العمومية، وهو واقع التتفيه لحمل الناس على التحول الأوتوماتيكي نحو القطاع الخاص الذي ظهر فيه مستثمرون لا علاقة لهم بمجال التربية غير البحث عن مراكمة الأرباح.
فأصبحنا أمام واقع تربوي جديد، حوَّل نساء ورجال التعليم من أصحاب رسالة، يصنعون عقولا ومواطنين يصلحون لتحمل المسؤوليات مستقبلا في هذا الوطن، إلى أصحاب حرفة، بإعدام المناخ التربوي الصحي الذي يسمح لهم بممارسة حرياتهم في التدريس والتلقين، بعيدا عن التقيد الحرفي بتعليمات وخطوط البرامج والمخططات المتوالية على المنظومة التعليمية.
لهذا، لا يجب أن نستغرب، أو حتى نخجل، إذا سجلت التقارير الوطنية مغادرة الآلاف من الشباب المؤسسات التعليمية دون الحصول على شواهد ، أو وضعت التقارير الدولية تعليمنا في مراتب جد متدنية في قائمة البلدان العربية على مستوى الالتحاق بالتعليم العالي، خلف بعض الدول التي يلعلع فيها الرصاص، ولا تعرف الاستقرار أبدا مثل فلسطين المحتلة ولبنان.
تعليمنا يسير نحو التهاوي، والخشية أن تصر هذه النسخ من الوزارات على سياسة الهروب إلى الأمام في التعاطي مع “الكارثة”، مثلما فعلت سابقاتها حتى يتهاوى بالفعل، ويضطر الفقراء إلى تفضيل “الجوامع” التي يفترش فيها الطلبة” الحصائر” على مدارس الدولة.