هآرتس – بقلم دمتري شومسكي – 18/12/2019
” المعادلة في هذه الايام تقول إن الصهيونية الحالية معناها استمرار الاحتلال والمستوطنات وتعزيز الحكم الاسرائيلي اليهودي بين البحر والنهر. واعتبار مناهضة الصهيونية لاسامية يضر بالشعب اليهودي “.
لا يوجد أدنى شك بأن الغاء حق تقرير المصير القومي لليهود في اسرائيل والسعي الى الغائه هو حسب جوهره شكل من اشكال اللاسامية. بالاجمال، فكرة تقرير المصير لليهود كتجمع قومي هي الصيغة القومية والمعدلة لمبدأ التحرر الذاتي اليهودي الفردي: سواء التحرر الذاتي المدني لليهود في اوروبا الحديثة، أو التحرر التلقائي القومي لليهود في فلسطين/ ارض اسرائيل، استهدف شمل اليهود بكونهم بشر متساوين مع الآخرين في المجتمع الانساني الحديث. في البداية كأفراد في الأمم، وبعد ذلك، عندما لم تنجح هذه الخطوة، كأمة في أسرة الأمم. في المقابل، احدى الخصائص الاساسية للاسامية الحديثة هي السعي الى الغاء المساواة في الحقوق لليهود، بكل صورها السياسية المقبولة، وابعاد اليهود عن عائلة الأمم، سواء عن طريق الغاء المساواة في الحقوق المدنية لليهود، كما تقول اللاسامية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أو عن طريق الغاء المساواة للحقوق القومية لليهود، مثلما هي اللاسامية في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.
لهذا السبب لم يتلخص جوهر الصهيونية في هذه الايام بالتمسك بحق تقرير المصير القومي لليهود في اسرائيل. لقد كان من الجدير مماثلة مناهضة الصهيونية مع اللاسامية، ببساطة. هنا فان المعنى السياسي والعملي السائد للصهيونية الحالية – كما تطرحه دولة اسرائيل الآن بكونها تحتل وتستوطن خارج حدودها – بعيد عن أن يتبدى فقط بحق تقرير المصير القومي الشرعي. بالعكس، الجميع يرى أن ماهية وهدف الصهيونية في بداية القرن الواحد والعشرين هو تعميق القمع المدني والاستعباد القومي للشعب الفلسطيني، وسلب لا يتوقف لاراضيه باسم الثيولوجيا التوراتية، اليهودية –المسيحانية.
في الحقيقة، النواة التاريخية المصفاة للصهيونية السياسية الاصلية عند ظهورها كانت متماهية مع الطموح العادل لليهود من اجل تجسيد حقهم في تقرير المصير القومي في ارض اسرائيل – ليس اقل من ذلك، وايضا لا اكثر من ذلك. اضافة الى ذلك، اليوم ايضا يوجد في اسرائيل وخارجها اقلية ليهود قوميين يؤيدون ما عرفه الفيلسوف المعروف حاييم غينز “التفسير المساواتي للصهيونية”. اساسه هو التمسك بمبدأ تقرير المصير القومي اليهودي غير المهيمن، الذي تطبيقه مقرون، ضمن امور اخرى، بتقسيم البلاد. ولكن الحديث يدور عن اقلية صغيرة ومهملة، التي للاسف الشديد، ليس فقط لا يمكنها أن تعيد للصهيونية المعنى الاصلي لها، بل هو مدان من قبل الاغلبية الصهيونية باعتباره “ما بعد صهيوني” أو “مناهض للصهيونية”. النتيجة اذا واضحة مثل الشمس: المعادلة السائدة، سواء في الوعي اليهودي الاسرائيلي أو في نظر شعوب العالم أو في الواقع اليومي على الارض (أي في المناطق)، تقول إن الصهيونية في هذه الايام معناها استمرار المستوطنات وتعزيز الحكم الاسرائيلي اليهودي بين البحر والنهر.
اذا كان الامر كذلك، فليس هناك مناص. يجب علينا الاعتراف بحقيقة ثابتة ومؤلمة: اذا كان التعبير الحقيقي والجوهري للصهيونية في هذه الايام مرتبط بصورة واضحة بعدم عدالة صارخ – سيطرة عنيفة على شعب آخر وعلى ارضه – فان مناهضة الصهيونية الحالية هي اذا من الظواهر السياسية العادلة في هذه الايام. وفي هذه النقطة، قرار البرلمان الفرنسي تبني الادعاء المدحوض للرئيس مكرون، الذي بحسبه “مناهضة الصهيونية هي شكل من اشكال الصهيونية في ايامنا”، يظهر بكامل حماقته. إن الامكانية الكامنة لضرره كبيرة، حيث أنه اذا كانت احدى الظواهر السياسية العادلة في ايامنا – معارضة قمع الشعب الفلسطيني واستعباده، التي هي لشديد الخجل والألم، جوهر الصهيونية الحالية – تتم مساواتها باللاسامية، واذا تجذرت هذه المعادلة المشوهة في الوعي العالمي فان اللاسامية يمكنها ايضا أن تعتبر اكثر فأكثر في نظر شعوب العالم كظاهرة عادلة. اللاسامية يمكن أن تجد الدعم، بل حتى الدعم الاخلاقي، هذا هو. ليس هذا فقط أنه في المدى القصير القرار الفرنسي يضر بشكل كبير بحقوق الشعب الفلسطيني، بل في المدى الطويل يوجد فيه ايضا ما من شأنه أن يعرض لخطر حقيقي الشعب اليهودي. حيث أنه بالمناسبة يقدم التشجيع والشرعية الاخلاقية لظاهرة معاداة اللاسامية.