هوسبريس ـ عبدالنبي مصلوحي

قبل أسبوع سقط شاب من مخبئه في شاحنة بعرض الطريق السيار فمرت فوقه شاحنة أخرى كانت خلفها، بالقرب من محطة الأداء في بوزنيقة، حولته إلى “كفتة”. هذا الشاب اليافع، كان يحلم أن تلك الشاحنة ستقله خلف المتوسط، يعني ستُبعده عن وطن لا يرى فيه سوى بيئة يزداد فيها ضياعا، وسيضيع أكثر إذا لم يجد طريقة للهروب منها..هكذا هي الأمور، أو على الأقل هكذا كان يفكر، مثل كثيرين من أمثاله الضائعين.

اليوم فقط، قرأت، في آخر تقرير للبنك الدولي، أن ربع المغاربة فقراء، ونصح الحكومة المعينة مؤخرا بأن يعكس قانون ماليتها التزاماتها بزيادة الخدمات الاجتماعية وتعبئة الإيرادات، يعني توفير فرص الشغل بالدرجة الأولى لتقليص عدد الفقراء…هذا ما قاله البنك الدولي الذي يعتمد على مؤشرات وأرقام في الغالب تكون صادرة عن مؤسسات رسمية تابعة للدولة تحصي حتى “الفرّاشة” وعمال الموقف..لهذا إذا قال البنك الدولي تسعة ملايين فيجب أن نضع بجانبها تسعة أخرى.

تقرير آخر لإحدى منظمات الهجرة، يقول أن ربع الشباب المغربي من 15 إلى 28 سنة يفكرون في الهجرة إلى الخارج، هروبا من الفقر.

 إذا تمكن هذا الكمّ من نساء ورجال الغد من المغادرة، فكيف ستجد البلاد نفسها بعد 25 سنة أخرى؟ ستجد نفسها شعبا من الشيوخ والعجزة..ينهكهم الفقر والأمراض، وربما حتى الجهل، وسنجد أنفسنا أبعد عن جيراننا بسنوات ضوئية.

ألا يوجد أحد في هذه البلاد من المسؤولين الحكوميين من يطرح أسئلة بشأن هذا الواقع..أسئلة واقعية ويبحث لها عن أجوبة حقيقية..بدل الأجوبة التي تشبه “سلعة الشينوة” الرخيصة؟

يجب الإقرار بأن البلاد باتت في ظل الأجيال الأخيرة من الحكومات، تسير نحو منحدرات خطيرة في مجالات اجتماعية عديدة، على رأسها الشغل، الخطاب السياسي لم يعد له من معنى، كثرة “الجعجعات” التي لا طحين وراءها، والانتهازيون آخذون في التنامي..كل المشاريع التي تخرج من بيوت الحكومات لا تلد سوى مزيدا من الفقر واليأس والقنوط، وجيوشا من المسؤولين الوصوليين والانتهازيين، والمتربصين بالريع والمال العام..

واقع المجتمع المغربي، لم تعد الجهات المتخصصة في التزيين السطحي قادرة على إخفائه، أعطاب كثيرة نمت وتقوت بسرعة، بسبب الفجوات الكبرى بين التفكير الحكومي والحاجيات الحقيقية والموضوعية للشعب، كمشروع القطار الفائق السرعة، يقول الاقتصاديون أن ميزانيته تكفي لبناء  آلاف المدارس العمومية في العالم القروي لتعليم أبناء المغاربة في ظروف مقبولة، ومئات المستشفيات لعلاج فقراء البلاد، وشق مئات من الكيلومترات من الطرق لفك العزلة عن كثير من الدواوير والقرى التي ما أن يحل فصل الشتاء حتى تُعزل عن العالم وعن مراكز التبضع، فتضيع هي وماشيتها وأطفالها.

الناس تحب أن ترى أحلامها الوردية، نقودا في جيوبها، وسيارات تركبها، ودورا في المستوى تسكنها، وعيشا كريما تعيشه، ومدارس جيدة لأطفالها، ومستشفيات جيدة تلجها..

لدينا ما يقرب من 51 ألف مسجد، حسب إحصائيات نشرتها وزارة الأوقاف في ماي الأخير، للصلاة التي يقبلها الله حتى خارج المساجد، ولو في “الحصائد”،  فيما المدارس الابتدائية التي تُخرج الطفل المغربي من عوالم الجهل والأمية ليس لدينا منها سوى 7897، والإعداديات 2007 فقط، والثانويات لا تتجاوز 1236، والجامعات 20 جامعة، وأماكن الشغل يعلم الله كم هي ميكروسكوبية مقارنة مع طالبي العمل.

هذا مثال بسيط، للتأكيد على أن الفكر الحكومي والحاجيات الحقيقية والموضوعية والتي تحظى بالأولوية لدى الشعب في خصام مستمر.

السياسات العمومية في البلاد لا تساعد على بناء الأحلام، لهذا سيتسمر الشباب في الحلم بالهروب إلى الخارج، وستستمر قوارب الموت تنقل الهاربين إلى “الحوت” ليأكلهم في أعماق المتوسط، والآن حتى حوت الأطلسي أصبح له نصيب من هذه الولائم. إذن لا غرابة من خبر تحويل عجلات شاحنة جسد شاب “حارك” إلى “كفتة”..مادام هذا الواقع مستمرا، فسيتواصل ورود هذه الأخبار، أخبار حوادث الفارين من وطن لم يوفر لهم أسباب بناء أحلامهم البسيطة…الأكيال طفحت، لم تعد الخطط والخطابات والوعود بالنسبة لهم سوى ما يشبه “سلعة الشينوة الرخيصة”…

البلاد اليوم في ورطة، ما العمل لإعادة الثقة لهاته الملايين من الشباب؟..الأمر يحتاج، بكل تأكيد، إلى معجزة.