البرلمانيون الشباب… أي رهان لتطوير الديمقراطية؟

هوسبريس

من المكتسبات المهمة التي جاءت مع الوثيقة الدستورية الجديد، تمكين الشباب من حق الولوج إلى البرلمان لتكون لجيلهم تمثيلية تنقل همومهم وانشغالاتهم إلى المؤسسة التشريعية، ربما هو حلم، تحقق، ولو كان بنسبة لا تلبي الطموحات في بلد يغلب على كتلته السكانية الشباب، إلا أنها قد تكون بداية لمستقبل واعد بالنسبة لتمثيلية الشباب في هذه المؤسسة المهمة.

هناك 30 شابا تحت سن الأربعين سنة دخلوا مجلس النواب من خلال “الكوتا” التي حددتها الوثيقة الدستورية الأخيرة، وهناك آخرون ظفروا بمقاعدهم باسم أحزاب سياسية في دوائر محلية في انتخابات مباشرة خلال التشريعيات الأخيرة.

كثيرون من هؤلاء الشباب الذين يخوضون التجربة البرلمانية لأول مرة، لا ينكرون أن الممارسة البرلمانية لم تكن بالنسبة لهم سهلة، لقد وجدوا أن عليهم المنافسة والمبادرة بدل الانتظار حتى يجدوا من يمنحهم الفرصة في الاشتباك التشريعي والرقابي، وهو أمر ليس سهلا في ظل نقص الخبرة ووجود نواب كبار ومخضرمين متمرسين على العمل البرلماني.

حين تتحدث إليهم، تجدهم على وعي كامل بالرسالة   التي من أجلها هم موجودون في هذه المؤسسة ، مهمومون بانشغالات وتطلعات جيلهم من خلال العمل التشريعي والرقابي، حريصون في علاقاتهم بالناخبين على التواصل والإنصات الدائم من أجل التعاون قصد صياغة وفهم الانشغالات والاحتياجات، لتحويلها إلى أفكار ومشاريع ذات أبعاد وطنية.

وجودهم تحت القبة التشريعية، يرون فيه رسالة للجيل الذي ينتسبون إليه، رسالة تقول بأن الناس في هذا الوطن تعي جيدا دور الشباب في التغيير والقراءة الجيدة لتطلعات وهموم الشباب المغربي.

سقف طموحهم في الانتشار داخل المؤسسة لا حدود له، معظمهم يرون أن تمثيلية الشباب بالبرلمان مازالت لم ترق إلى العدد المطلوب، فحضورهم يروا أنه من المفترض أن يكون أكثر في دولة يمثل الشباب الغالبية في مجتمعها.

ـ تقييم التجربة

يرى الكثيرون من متابعي الشأن البرلماني في بلادنا أنه من المبكر الحكم على التجربة، خاصة أن معظم هؤلاء الشباب الذين وصلوا إلى قبة البرلمان يخوض التجربة لأول مرة، فهم يعملون بجد من أجل مراكمة الخبرات، ويطمحون إلى مزيد من التمثيل لأبناء جيلهم خلال القادم من التشريعيات، يشهد زملاؤهم الكبار أنهم أكثر نشاطا من بعض النواب المخضرمين، وان اللجان التي يتواجدون بها  تحرص على الاستفادة مما يطرحونه من أفكار، خبرتهم تسير بثبات نحو الصقل، و تجربتهم تحت القبة تسير نحو التحسن، ومع مرور الوقت سيصبحون أكثر نضجا وتمرسا في التعاطي مع العمل البرلماني.

ـ النواة الصلبة المهيمنة على العمل البرلماني

على الرغم من وجود رغبة لتشبيب النخبة البرلمانية، إلا أن الأعيان والنخب التقليدية، مازالت حسب العديد من دارسي البرلمان ومتابعي شأنه تشكل النواة الصلبة للعمل داخل هذه المؤسسة، فهذه النخبة تمكنت، حسب هؤلاء، عبر توالي تواجدها داخل البرلمان من تكريس ثقافة برلمانية خاصة بها، تضمن قوة حضورها، وتحفظ مصالحها، ويكاد يتفق معظمهم أنه على الرغم من طول مقامها ورغم السنين بالمؤسسة التشريعية فإنها لم تتمكن من مراكمة الخبرة الكافية واللازمة لتطوير العمل البرلماني، ما جعل استمرارها لولايات متتالية عاملا ساهم في بقاء العمل البرلماني على حاله، بل ومكرسا لثقافة برلمانية سلبية في نظر العديد من مكونات الشعب المغربي، كان من نتائجها، العزوف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وعن الممارسة السياسية بشكل عام بالنسبة لفئات عريضة من الشباب.

ومن هنا، يرى بعض المحلليين أن البرلمان المغربي في ظل محاولات تشبيبه، مرشح لمعرفة مزيد من الصراع بين الجيلين، الجيل القديم الذي يريد لهيمنته الاستمرار، وجيل الشباب أو النخب الجديدة الآخذة في التشكل داخل المؤسسة التشريعية، صراع من أجل إثبات الذات، فالجيل القديم الوارث لثقافة برلمانية معينة ويسعى لتجذيرها،  لن يتساهل مع الجيل الجديد الرافض لنمط البرلماني القديم، الذي يرى أنه لا يبذل المجهودات الكافية لتطوير ثقافته النيابية التي تساعده على ممارسة عمله البرلماني على أحسن وجه، مما يجعل من عملية تكيف هاته النخب الشابة أكثر تعقيدا وصعوبة، وهذا الأمر لا يخفيه، حتى بعض البرلمانيين الشباب الذين يتواجدون في النسخة الحالية من المؤسسة التشريعية، بعضهم ممن تحدثت إليهم المنعطف  لم يخفوا تذمرهم  في سياق الحديث عن الصعوبات التي تعترضهم، تذمرهم من غياب الإبداع داخل البرلمان، فالبرلماني التقليدي الذي يصر على الهمينة على العمل البرلماني، يستهويه في رأيهم الركون والانتظار حتى تجود الحكومة بما يمكن أن تجود به من مقترحات، خصوصا في مجال التشريع، وحتى مقترحاتهم في التعديل حول ما تقترحه الحكومة من مشاريع قوانين غالبا ما تكون مسيسة، الأمر الذي يُبقيها بعيدة عن النفاذ إلى عمق الإشكال الذي يطرحه هذا النص التشريعي أو ذاك.

في المقابل مازال هناك من يدافع عن ضرورة استمرار البرلماني التقليدي داخل المؤسسة التشريعية، فبعض المتابعين يرون أنه لا يمكن الاستغناء عن كبار السن، خاصة الذين راكموا خبرة كبيرة، في صنع القرار داخل المؤسسة التشريعية، واستغلالهم في تأطير وتكوين النخب الشابة التي هي فعلا ولدت في عالم تكنولوجي تتيح لها معرفته فرص العطاء والانتاجية المتنوعة، ولكنها تبقى في حاجة الى ذوي الخبرة من كبار السن والتجربة.

اترك تعليقاً