
في مشهد يعكس مدى انحدار منسوب الحريات في الجزائر، قضت محكمة الاستئناف في العاصمة الجزائرية بالسجن خمس سنوات في حق الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، لمجرد تعبيره عن رأي تاريخي يخالف الرواية الرسمية، في قضية تتعلق بالصحراء المغربية، هذا الحكم الصادم يكشف عن أزمة أعمق تعاني منها الجزائر: الخوف من الكلمة الحرة، ورفض النقاش المفتوح، ومحاولة فرض وصاية أيديولوجية على كل من يحاول الاقتراب من “الطابوهات” السياسية المصطنعة.
الكاتب، المعروف بجرأته وعمق تحليله، صرّح في لقاء إعلامي فرنسي بأن جزءًا من أراضي المغرب تم اقتطاعه خلال الاستعمار الفرنسي وضمّه لاحقًا إلى الجزائر، تصريح قد يراه البعض موضوعيًا من الناحية التاريخية، لكنه كان كافيًا لتدخله أروقة المحاكم، ويُتهم بـ”المساس بوحدة الوطن”، في بلد طالما تغنّى بشعارات الثورة والتحرر.
ما جرى لصنصال ليس سوى دليل جديد على أن النظام الجزائري لم يغادر بعد عقلية الدولة الأمنية، التي لا تتسامح مع الآراء المستقلة، حتى لو صدرت من مثقف مرموق لا يحمل سلاحًا سوى الكلمة، وهو ما يطرح سؤالًا مريرًا: هل أصبحت الوطنية في الجزائر تُقاس بمستوى الخنوع لا بجرأة السؤال؟
في وقت تتجه فيه دول العالم نحو تعزيز الحريات والانفتاح، تصر الجزائر على البقاء رهينة سياسة كمّ الأفواه ومعاقبة الأصوات الحرة، بدل مواجهة الحقائق التاريخية بشجاعة ونضج سياسي.
قضية صنصال تفضح هشاشة الخطاب الرسمي، وتؤكد أن الدولة الجزائرية لا تكتفي بتزييف التاريخ، بل تسعى إلى إسكات كل من يحاول تصحيحه.
فهل يمكن لمثقف أو كاتب أن يتنفس بحرية في جزائر اليوم؟ أم أن المصير سيكون زنزانة لمن لا يردد ما يُملى عليه؟