أحدث الأخبار

العطب في الضمير

لو كان بالإمكان عرض البلاد على طيب لمعرفة أسباب الكسل والتبلد واللامبالاة التي تنخرها، لوصل بسهولة إلى أن هناك عنصر متهالك في جسمها هو سبب كل هذه التشوهات والأعطاب التي تنخر هذا المسمى “المغرب”…عنصر مات منذ زمن ولم يعد يؤدي وظيفته فاختلت باقي الوظائف…الحديث هنا عن الضمير…لقد التحق الضمير في بلادنا بالكائنات المنقرضة وغدا جزءا من التاريخ الذي نذكره حين نريد أن نقارن أنفسنا بغيرنا من الدول التي تعتني به وتحافظ على وجوده حتى لا تختل الحياة فيها مثلما اختلت عندنا في المملكة السعيدة.

الفراغات التي خلفها موت الضمير يمكن أن يراها كل مواطن له غيرة  على وطنه في كل مكان وزاوية، في المستشفيات العمومية حين يطالع وجوه أطفال مرضى ينتظرون رفقة ذويهم في طوابير طويلة عريضة أن يصلهم دور الدخول إلى قاعة للفحص فارغة إلا من بعض الأقلام والأوراق وطبيب شبه نائم،  بالكاد يحرك أصابعه للسؤال عن حال الطفل المريض وأعراض المرض ويبدأ بعدها في وصف الدواء على ورقة دون أن يكلف نفسه عناء معاينة الحالة…هنا تشعر أن الضمير لايوجد في هذه الغرفة….تعاين غيابه كذلك حين تقودك الظروف إلى مستشفى السويسي بالعاصمة الرباط…مظاهر موته في هذا المكان كثيرة ومتعددة…قد يحدث أن تعاين مريضا يئن بأحد “الكولوارات” على مرأى من كل العابرين من الممرضين والأطباء، ولا أحد تدفعه الرأفة للسؤال عن مراده…لأن الرأفة هي أصلا غير موجودة لأنها من بنات الضمير  المنقرض  مثل الديناصورات التي أصبح اكتشاف معابرها أو جزء من هياكلها العظمية في حد ذاته من الانجازات العظمى….كذلك في هذه البلاد سيصبح الوقوف على مظاهر تواجد الضمير في زمن من الأزمان السابقة بطبيعة الحال من الانجازات…

لهذا السبب، أي بموت الضمير لم يعد هناك من شيء يبدو للمواطن سويا، جميع القطاعات العمومية يمكن القول إن الضمير شبه منقرض بها…حقيقة هناك مسؤولون مازال الضمير يسكن شخصياتهم لكنهم قلة قليلة جدا…

بموت الضمير يصبح كل شيء مباحا، التكاسل، الخيانة، السكوت عن الحق.. التزوير، يصبح أنين المظلوم مثل المعزوفة الرومانسية، تصبح ممارسة الظلم مثل النزهة، والوطن كما لو كان ضيعة عائلية.. بموت الضمير تتعطل الحواس والبصائر، وتغيب الحدود بين الحق والباطل.

إنه بدون الضمير الحي لا يمكن الحديث عن شيء اسمه التقدم والمستقبل، لأنه البوصلة التي تسمح للمرء بأن يكون صادقا مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش داخله، وتدفعه الى الحرص على التمتع بكل معاني الإنسانية التي تبعده عن الأنانية والجحود والظلم والغدر والنفاق، فهو الوجدان الداخلي الذي يميز به الإنسان بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل، وهو الناهي الفطري عندما تتعارض الأشياء مع القيم الأخلاقية.

اترك تعليقاً