
هوسبريس ـ و م ع
خلف سقوط طائرتي استطلاع إسرائيليتين فوق ضاحية بيروت الجنوبية، نهاية الأسبوع الماضي، بروز المزيد من التوتر في العلاقات اللبنانية – الإسرائيلية التي تشهد من حين إلى آخر تجاذبات وتحرشات تساهم في تسميمها أكثر ، فضلا عن ما يمثله ذلك من تأثير سلبي على الوضع بمنطقة الشرق الأوسط .
وكان الجيش اللبناني قد أكد، في بيان، أن طائرتي استطلاع إسرائيليتين سقطتا فوق ضاحية بيروت الجنوبية ليلة السبت- الأحد، الأولى سقطت أرضا، والثانية انفجرت متسببة بأضرار مادية.
وقد أدى هذا الوضع المستجد إلى الرفع من حالة التأهب القصوى على الحدود الجنوبية اللبنانية وساد ترقب عام داخل المشهد الداخلي على خطين سياسي – أمني لرصد تداعيات الخرق الاسرائيلي للسيادة اللبنانية عبر الطائرتين المسيرتين في أجواء الضاحية الجنوبية، والتطورات المحتملة لهذا الامر مع ارتفاع نبرة التهديدات، في وقت قرر لبنان تقديم شكوى ضد اسرائيل الى مجلس الامن الدولي.
وعقب العملية الاسرائيلية في قلب الضاحية الجنوبية، التي قابلها توعد ل “حزب الله” بالرد، وبإسقاط أي طائرات اسرائيلية مسيرة واستطلاعية تخرق الاجواء المحلية، شهدت الحدود الجنوبية هدوءا حذرا وترقبا لما يمكن أن تؤول اليه الاوضاع في القرى الحدودية.
وعلى المستوى الميداني وضع الجيش الإسرائيلي قواته في أقصى حالات الاستنفار وأوقف بشكل شبه تام من دورياته الراجلة والمدرعة في المواقع الأمامية وحصر التحركات العسكرية في الخطوط الخلفية وأوقف عدة أعمال في عدة نقاط حدودية ، فيما رفعت قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) وبالتنسيق مع الجيش اللبناني، حالة التأهب على طول الخط الحدودي وتعمل على متابعة الوضع الميداني بدقة.
وفي رده على هذه التطورات ، وصف الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له ضاحية بيروت الجنوبية ب “إعلان حرب” يتيح للبنان اللجوء إلى حقه بالدفاع عن سيادته واستقلاله وسلامة أراضيه.
وأضاف عون، في تصريح صحفي عقب لقاء جمعه بالمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش في أعقاب التطورات الأخيرة، أن “الاعتداء على الضاحية الجنوبية وكذلك على منطقة قوسايا على الحدود اللبنانية – السورية يخالفان قرار مجلس الأمن رقم 1701 ، وأن ما يسري على لبنان في مندرجات هذا القرار الدولي يجب أن ينطبق على إسرائيل أيضا”.
من جانبه، قال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، في اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، إن بلاده تعول على دور روسي لتفادي مزيد من التصعيد مع إسرائيل والتوتر وتوجيه رسائل واضحة لإسرائيل بوجوب التوقف عن خرق السيادة اللبنانية.
وفي مقابل التحركات اللبنانية كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد حذر لبنان و”حزب الله” و”فيلق القدس الإيراني” الى ضرورة أن “يتوخوا الحذر” في أقوالهم وأفعالهم.
وأمام هذه المستجدات تصاعد الضغط الدبلوماسي الخارجي على لبنان لضبط النفس وعدم انزلاق الاوضاع الى الحرب، حيث أن تقارير إعلامية أفادت بأن عددا من السفراء طالبوا الحريري بأن تمارس حكومته ضغوطا على “حزب الله” لتجنب أي رد على إسرائيل وإفساح المجال أمام الجهود الدولية لضبط الوضع ولجم الاعتداءات الإسرائيلية.
كما سجلت ذروة غير مسبوقة للاتصالات الديبلوماسية بين جهات لبنانية وممثلي الدول العربية والغربية في لبنان كما في اتصالات مباشرة مع العديد من العواصم، كانت حصيلتها تقديم الضمانات الدولية والاقليمية لممارسة الضغوط على اسرائيل تجنبا للتصعيد.
هذا التوتر قابلته تحذيرات من القوى الدولية بشأن ما يدور على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، حيث أن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك دعا كل الأطراف إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” وأن الأمم المتحدة “أخذت علما بتصريحات الرئيس عون الذي ندد بالهجوم باعتباره إعلان حرب”، وكذا تحذير وزارة الخارجية الروسية من اندلاع حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط بسبب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا ولبنان.
وقد أفرزت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت ردود أفعال العديد من المتتبعين تراوحت بين من اعتبرها تصفية حسابات وبداية نحو مزيد من التصعيد خاصة مع “حزب الله” وبين من رأى فيها مجرد ورقة رابحة في الانتخابات الإسرائيلية المقرر اجراؤها في 19 من شتنبر المقبل.
وفي ظل هذه المتغيرات فقد وصف المراقبون للعلاقات اللبنانية-الاسرائيلية هذه الاعتداءات بالحرب غير المعلنة من الجانب الإسرائيلي هدفها التنصل من التزاماتها الدولية والتأثير على مسار المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود البرية والبحرية اللبنانية-الإسرائيلية.
كما اعتبروا أن الاعتداءات المتكررة لإسرائيل عبر طائرات مسيرة خاصة تلك التي تستهدف مواقع “حزب الله” خطة استفزازية من جانب اسرائيل لاسيما في ظل الوضع الإقليمي المضطرب بمنطقة الشرق الأوسط وما يرتبط بتداعيات الأزمة السورية والملف النووي الإيراني في أفق الدفع بها نحو مزيد من التوتر والتصعيد وذلك لتحقيق مكاسب جيوسياسية بالمنطقة.
غير أن التصعيد الميداني الإسرائيلي قوبل برد حمل تهديدا من “حزب الله ” لضرب أهداف إسرائيلية مبررا ذلك بأن الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية هو “خرق لقواعد الاشتباك وأن هذه العملية لن تمر بهدوء مهما كلف الثمن”.
ويمكن القول بأن هذه التطورات ،التي رفعت منسوب التوتر بين الجانبين، يرافقها تناسل العديد من الأسئلة حول مستقبل المنطقة خاصة في ظل احتمال نشوب حرب بين لبنان وإسرائيل ستكون لها لا محالة تداعيات سلبية ستجعل من المنطقة بؤرة توتر وقد تؤدي الى انزلاق الامور الى وضع يصعب التحكم فيه.