
أبو أمين
يعد المغرب من الدول العربية التي فطنت مبكرا إلى أهمية القيمة المضافة التي يمكن أن تكون للشباب داخل المؤسسات التي تصنع السياسات العمومية وتصيغ مشاريع القوانين التي تصنع المستقبل في البلاد، فجاءت وثيقة 2011 الدستورية لترسم صورة راقية لخارطة الطريق التي يجب أن تُرسم للشباب الذين يشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل، انطلاقا من تصور جديد يقوم على تحولات جذرية مهمة، تجيب على مجمل الأسئلة المرتبطة بتطلعات الشباب في سياق بحث جدي عن مغرب أكثر تنمية وأوسع ديمقراطية.
استجابة إيجابية لخصها الدستور الجديد في الفصل 33، تؤكد على توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، يحث السلطات على مد اليد للشباب لتيسير اندماجه في الحياة النشيطة والجمعوية، وتيسير ولوجه للثقافة والعلم والتكنولوجية والفن والرياضة.. ولتحقيق هذه الأهداف وغيرها، تحدث عن إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي.
ولأن التواجد داخل المؤسسة التشريعية هو أحد أبرز مظاهر الانفتاح على الشباب في معركة البناء الديمقراطي، كان لابد من تعبيد الطريق أمامه للولوج إلى المؤسسة التشريعية، حيث يمكن أن تكون بصمته حاضرة في صنع القرار عبر العمل التشريعي والرقابي ومساءلة الحكومة داخل قبة البرلمان، وحتى داخل المجالس المحلية والإقليمية والجهوية، فتم تخفيض سن التصويت إلى 18 سنة، وتشكيل اللائحة الوطنية التي تضمن كوطا لفائدة الشباب داخل البرلمان، على غرار لائحة النساء، هي مبادرة، وإن كانت لا تستقيم والمنطق الديمقراطي، فإنها تبقى مبادرة استثنائية ومؤقتة لحل إشكالية ضمان تمثيلية لفئة الشباب في مجلس النواب بتخصيص 30 مقعدا.
فئة الشباب في المغرب، هي أساسا مجتمع شاب، وهي الشريحة الأكثر حساسية، والأكثر توجها نحو المستقبل، مثلما أنها الأكثر تعرضا للاستقطاب، فهي موجودة في قلب دوامة الأحداث المتسارعة التي تحملها العولمة، لهذا فإن تيسير إشراكه في الحياة البرلمانية والحياة العامة بشكل عام، عمل يحمل دلالة كبرى في طبيعة الثقافة السياسية التي تسعى إلى القطع مع ثقافة التهميش والإقصاء، والتي تسمح كذلك لهذا الشباب بتحريك المجتمع عبر ملكات و قدرات التغيير لإحداث الخلخلة المجيبة على التطلعات والاحتياجات المجتمعية، عبر الضغط أثناء صنع القرارات والسياسات العامة والبرامج التي يكون لها تأثير مباشر على الشعب وعلى حياته الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن التحدي الأكبر اليوم وفي القادم من المستقبل، هو الارتقاء بهذه المشاركة الشبابية التي نتحدث عنها في المؤسسات التمثيلية وضمنها البرلمان، من كونها مجرد حق يضمنه الدستور لفئة الشباب إلى ثقافة تقوم على أنقاض ثقافة عدم الاكتراث والعزوف عن الممارسة السياسية، وهنا تحضر مسؤولية الأحزاب السياسية لترسيخها عبر التنشئة الديمقراطية القائمة على التعبئة والتكوين من اجل خلق ذهنية ديمقراطية، تؤمن بأن المشاركة في تدبير الشأن العام وصياغة وتنفيذ السياسات العامة تعد من الركائز الأساسية للديمقراطية التي جاءت لتجعل الشعب هو صاحب الكلمة الفيصل.