وجهت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، دعوة صريحة إلى نواب البرلمان لإعادة صياغة مشروع قانون المسطرة الجنائية وفق مقاربة حقوقية شاملة، مؤكدة أن المغرب بحاجة ملحة إلى حضور هذا البعد في هذا النص التشريعي الحاسم.
وجاءت مداخلة بوعياش خلال لقاء نظمته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، يوم الأربعاء، حيث شددت على أن الصيغة الحالية لمشروع القانون أغفلت وضعية فئات مجتمعية هشة، من بينها الأطفال، والمهاجرون، واللاجئون، وذوو الإعاقة بمختلف أشكالها، وأبرزت الحاجة إلى توفير تدابير وآليات تضمن لهؤلاء الحق في محاكمة عادلة، من قبيل خدمات الترجمة وتبسيط المساطر القانونية.
واعتبرت بوعياش أن المسطرة الجنائية لا يجب أن تُنظر إليها كأداة إجرائية فحسب، بل كمرآة تعكس رؤية المجتمع للعدالة، إذ تضع تدخل السلطة ضمن ضوابط قانونية دقيقة تحقق التوازن بين حماية النظام العام وضمان الحقوق وصون الحريات، وأشارت إلى أن البلاد في حاجة إلى “قفزة نوعية” على مستوى البناء المؤسسي والتنظيمي لتعزيز المكتسبات الحقوقية.
وفي حديثها عن ضمانات المحاكمة العادلة، أكدت رئيسة المجلس أن هذه الضمانات ليست اختياراً، بل شرط أساسي لمشروعية أي إجراء قضائي، مشيرة إلى ضرورة تمكين المشتبه فيه من الاتصال بمحاميه منذ لحظة توقيفه، وتقليص مدد الحراسة النظرية، واعتماد التوثيق السمعي البصري كوسيلة إجرائية تعزز الشفافية وتضمن حقوق الدفاع.
وشددت على أن كل شخص، مهما كانت وضعيته القانونية أو نوع النزاع القائم مع العدالة، يستحق الاحترام والإنصاف، وقالت: “الموقوف ليس رقماً أو ملفاً عابراً، بل إنسان له قصة وحلم بالعودة إلى الحياة الطبيعية والمساهمة في المجتمع”.
وفي تقييمها لمضامين مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية، أكدت بوعياش أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدافع عن مقاربة جديدة تبتعد عن الطابع الوظيفي للقانون، وتتبنى رؤية تجعل من السلطة القضائية جهازاً ضامناً للحقوق والحريات، لا أداة اتهام أو سلطة مهيمنة.
كما نبهت إلى أهمية تكريس مبدأ دولة الحق والقانون، والذي يتطلب خضوع السلطتين التنفيذية والقضائية لمبادئ الشرعية والتناسب والمساءلة والشفافية، انسجاماً مع روح ومقتضيات الدستور.
وفي ختام مداخلتها، أوصت بضرورة تضمين مشروع القانون مقتضيات تتيح الاستماع إلى المشتبه فيه دون اللجوء إلى الحراسة النظرية، وتوفير إمكانيات الطعن أمام جهات قضائية مستقلة، معتبرة أن هذه الخطوات كفيلة بتعزيز الثقة في العدالة وترسيخ الرقابة القضائية المتبادلة.