“كائنات الشكارة الانتخابية”..الجذام الذي شوه وجه السياسة وقضى على طموح الكفاءات

 


عبدالنبي مصلوحي

تجري يوم الثلاثاء المقبل انتخابات جزئية لملء مقاعد شاغرة بعدد من الجماعات الحضرية والقروية في المغرب، التي ظلت بدون نواب لفترات، لأسباب تتعلق بالإقالة او الاستقالة، أو الوفاة.
وهي مناسبة تذكرنا بالتحديات والعمل الكبير الذي يجب ان يشتغل عليه المغرب، لئلا تكون محطة 2026 نسخة مكررة لكل المحطات الانتخابية في التاريخ الوطني، ولئلا تكون خيبات السياسة نسخة مكررة، كذلك، و أيضا لئلا تكون خيبات الشعب كبيرة ككل مرة عقب كل انتخابات، تشريعية أومحلية.
العالم يتقدم بسرعة، ونحن غير مبالين بسرعة دورانه، نكتفي بالتفرج والحلم بالتقدم، مجرد الحلم، دون السعي إلى تحويله الى واقع.
ولعل من المداخل الأساسية لخلق الظروف الصحية لبلورة الاحلام الى واقع يشبه واقع الشعوب التي تغرينا بتقدم اوطانها، هي تحسين صورة الانتخابات، إحدى ٱليات فرز الناس التي تسهر على مطابخ الافكار والابتكار الذي يخلق الرفاه ويدفع بمستوى عيش الشعب الى الامام..وهي للاسف ( الانتخابات)، لم تبرهن لحد الٱن منذ اول محطة لها عام 1963، المحطة التي أعقبت الاستفتاء الدستوري لعام 1962، بشأن أول دستور لمغرب ما بعد الحماية، أنها في مستوى الطموح في إفراز مؤسسات على مسافات الصفر من هموم وانشغالات المواطن البسيط، الذي يعول على مثل هكذا مؤسسات لتحسين عيشه والرفع من مستواه الاجتماعي، عبر ابتكار حلول التنمية وتوفير مناصب الشغل بالنسبة للمجالس المحلية، و عبر التشريعات و اقتراح الأوراش الكبرى التي تخدم مؤشرات التنمية و الخدمات الاجتماعية بالنسبة للمؤسسة التشريعية.

نخب عموم هذه المحطات، لا تكاد تتغير، و كأن الامهات في هذه البلاد لا تلدن غير هذه السلالات التي تتوارث الكراسي التي تتأتى من الانتخابات التي جعلوا منها حرفا واستثمارات.

ولتأمين حرفهم وضمان تعاقبهم على المؤسسات المنتخبة، أغلقوا الاحزاب التي تزكي المرشحين لتولي مسؤوليات تدبير الشأن العام، في وجه الكفاءات والنخب الحقيقية، فضاعت ثقة الشعب فيها، ولم تعد الانتخابات لفئات عريضة منه، سوى أنها سوق كبير لبيع الأصوات الانتخابية والسمسرة فيها، لتكون النتيجة، إفراز ‘كائنات انتخابية”، وفي أحسن الأحوال زعامات كرطونية مع بعض الاستثناءات القليلة جدا، سرعان ما تذوب في اول منعرج يصادفها في درب المسؤولية.

لهذه الاسباب، يبدو الفضاء السياسي العام المرتبط بالاحزاب السياسية والانتخابات، لعيون المتابعين والمراقبين من النخب الوطنية الحقيقية التي تتابع في صمت، أنه يشهد تفشيا خطيرا لأساليب النفاق، وما يرتبط به من ٱليات الخداع والتضليل والافتراء والمكر والكذب على الناخبين، وهي أمور طبيعة ومتوقعة، في ظل حفاظ الاحزاب السياسية، او على الأقل معظمها، حتى لا نعمم، على نفس البنية الإدارية والتنظيمية والأخلاقية، التي تضمن توارث نفس ‘السلالات’ لنفس المقاعد و لا ترى مانعا لإغلاق أبواب الترشيح في وجه النخب النزيهة، وتزكية أصحاب الشكارة، حتى ولو كانوا بدون مستوى تعليمي يؤهلهم لفهم ميكانيزمات تدبير الشأن العام، لأن هذه العينة ستحافظ على مصالح معينة لأناس معينين ، بحكم نجاحهم المضمون الذي يساوي مقاعد تضمن لغيرهم ممن دافعوا عن ترشيحاتهم مناصب في الحكومات وغيرها من منافذ التسلل الى “الحظوة”حتى ولو غابت الأهلية التي تمكن من تحمل المسؤولية على اكمل وجه، و نرى الكثيرين منهم يكذبون عن الشعب والوطن صباح مساء، وكلما جاءت مواعيد الانتخابات، يعودون بنفس الخطاب والزيف ..مدجيين بكل ما يمكن أن يخطر على البال من الاغراءات لسرقة أصوات الناخبين والعودة إلى نفس المواقع بالمؤسسات المنتخبة، والناخب من جانبه لم يعد يعول اصلا عليهم في خلق التنمية او شيء من هذا القبيل لفائدة الجماعة التي يسكن فيها، لانهم قتلوا احلامه، مثلما قتلوا طموح النخب والكفاءات في المساهمة في تدبير الشأن العام الذي يأتي عبر الانتخابات، تخصصوا في في تنفير الناس من الانخراط في العمل السياسي، لأنهم يخشون الكفاءات، أناس، بدون رؤى واضحة او برامج او مبادىء.
إن مغرب المستقبل، لا يمكن ان تصنعه “كائنات الشكارة الانتخابية” ومن يقف خلفها، من متواطئين و مصوتين عليها ومدافعبن عن استمرارها، إنهم مثل الجذام في الحياة السياسية لتنفير النخب الحقيقية و إبقائها بعيدة عن كراسي المؤسسات المنتخبة.
أمام هذا الواقع الموبوء بهذه الفيروسات، حبذا لو تم توقيف صنابير تمويل الأحزاب السياسية، الى حين كفها عن تزكية كائنات الشكارة للانتخابات، و فتح أبوابها امام الكفاءات والنخب من أصحاب العلم والمعرفة، ممن لهم القدرة على مداواة أعطاب مشاتل السياسة التي أكد الزمن والوقائع أنها فاشلة في تقديم البدائل المأمولة.
الشعب لم يعد مستعدا لهدر مزيد من العقود لمجاراة أحزاب تزكي كائنات الشكارة لتحقيق الاغلبيات الجوفاء، البعيدة عن هموم المواطن، و أزمة التعليم العمومي التي نعيشها اليوم خير دليل..لم يعد مستعدا لتأجيل تطلعاته المرتبطة بمناهضة التفاوتات الاجتماعية و تحقيق الحق في التمتع ببنيات أساسية جيدة، والحديث هنا عن التعليم والصحة والشغل والسكن، لكل المغاربة، بكل الجهات، بالمدن وضواحيها و الجبال والواحات والسهوب .. و إلا ما الجدوى من الانتخابات وما تفرزه من مؤسسات؟

تعليق واحد

  1. بوعيون عباس

    كل ما كتبته يمثل الحقيقة المرة في وطننا الموبوء بهذه الكائنات الوصولية للاسف.

اترك تعليقاً