
عبدالنبي مصلوحي
فاجعة طنجة التي ذهب ضحيتها أكثر من 28 عاملة وعامل بأحد الأقبية، لم تكن قضاء وقدرا من الله، أو تمت في معمل سري كما يصور بلاغ سلطات طنجة، وإنما هي قضاء من البشر ونتيجة سياسة ما، ظلت تغض الطرف، بل وتتستر على قبو حوله صاحبه الى معمل للنسيج…اين مفتشو الشغل..ألم يعلموا ان أكثر من 100 عاملة وعامل يشتغلون تحت الأرض في معمل عشوائي…اين المقدمون..اين القائد..أين الباشا..أين العامل…جميعهم لم يعلموا بوجود مصنع عشوائي تحت الأرض يدخل ويخرج منه يوميا أكثر من مائة عاملة وعامل منذ سنوات؟ على من تضحكين يا سلطات طنجة ببلاغك الذي يصف مكان الكارثة بالمصنع السري، القول بأن الأمر يتعلق بمصنع سري، هو تبرير أكبر من الزلة، كلام غير معقول…الناس ليسوا بلداء الى هذا الحد ..لا يوجد في هذه البلاد مكان سري مع أعوان السلطة….كان عليها أن تعترف وتقول بدل “المصنع السري” “المصنع المتستر عليه”..لأنه لا أحد في هذه البلاد يمكن أن يصدق هذه الرواية..رواية السري الذي لا تعلم بوجوده السلطة..
إذا كانت السلطة في طنجة لم تكن تعلم بوجود هذا المصنع فلماذا يسمون المقدم ب “العين التي لا تنام”؟ أم أن الأمر يقتصر فقط على الضعفاء و الفقراء وسكان العشوائيات وأصحاب المهن المهمشة..وساكني القصدير عندما يضعون “ياجورة” أو “بلاستيكة” فوق اكواخهم يجرهم المقدم إلى مكتب قائد المقاطعة مستفسرا عن رخصة ستر الكوخ من الشتاء..؟
مقبول أن يغرقنا قليل من الأمطار، وقد تابعنا هذا الامر بالعديد من المدن والمناطق، أما أن يقتلنا فهذا أمر يستوجب أكثر من وقفة وأكثر من علامة استفهام حول مآل القانون المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة.
الشعب يريد في هذه الفاجعة محاسبة المسؤولين الحقيقيين، يريد أن توجه أصابع الاتهام إلى المسؤولين الذي بيدهم إغلاق الوحدة الإنتاجية غير القانونية، الشعب لا يريد أكباش فداء.. يريد ربطا حقيقيا للمسؤولية بالمحاسبة، الشعب لا يريد معالجة الملف بالطريقة التي أصبح الجميع يعرف أنها مقدمة لاحتواء الكوارث وطي ملفاتها..طريقة لجن التقصي، فهذه لم تعد محط ثقة الشعب، كم من قضايا تم التقصي بشأنها و انتهت في ثلاجات…
ذنب هؤلاء الذين ماتوا وخلفوا يتامى ليس في رقبة الامطار، أو حتى صاحب المعمل، وإنما هو في رقبة الرشوة والفساد الذي ينخر هياكل هذه الدولة في واضحة النهار، دون خوف أو مهابة من المحاسبة، وفي رقبة الصامتين على الفساد والمتواطئين معه .. فمتى يحاسب المسؤولون الحقيقيون عن الكوارث والمصائب التي تقع في هذه البلاد؟
رئيس الحكومة غرد في صفحته على الفيسبوك، وقال إنه تم فتح تحقيق وسيتم تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة…سنرى أي جزاءات..هل سيطال ذلك وزير الشغل المسؤول عن مفتشي الشغل في طنجة الذين سيقولون أنهم لم يعلموا بدورهم عن هذا القبو الذي تعمل فيه نساء ورجال مثل العبيد دون أدنى شروط السلامة.
إن الجميع في طنجة كان على علم بوجود هذا المصنع العشوائي..المقدم والخليفة والباشا والقائد والوالي ومفتس الشغل والبوليس و الجيران وأصحاب الحوانيت المجاورة..جميعهم يعلمون أين يوجد، ومن صاحبه، وماذا يصنع، وكم من العاملات والعاملين يشتغلون به، وكم من ساعة في اليوم يشتغلون..لهذا لم نفهم ماذا تقصد سلطات طنجة بـ”السري”.
إنها “السيبة” ياسادة ..وفوضى أصحاب “الشكارة” في هذه البلاد بسبب الفساد الذي ينتج التستر وسياسة “كول ووكل”..الفساد الذي يُغمض عين المسؤول ويجعله متواطئا مع “مول الشكارة”..