

قيم و فلسفة وحركة التاريخ، جميعها تؤكد أن حياة الإمبراطوريات وإن تمددت و إتسعت وسيطرت على وديان و فيافي و سهول وأنهارإلا وينطبق عليها الحكمة الخالدة دوام الحال من المحال ودائم وانت تطالع صفحات التاريخ عليك ألا تنسى الشمس حين تشرق وتتوهج و تنشر اشعتها على مساحات شاسعة من أرض المعمورة وقت الظهيرة ولكن في النهاية تستسلم لمصيرهم و تذهب بعيدة بعد أن تُملّم خيوطها فيختفي ضوئها و تخفت حرارتها فيحل الظلام.
من هذا المنطلق أجد الصراع الحالي بين فرنسا وتركيا سواء كان في اوروبا أو بلدان المغرب العربي ومنطقة جنوب الصحراء و ساحل أفريقيا الغربي. هوصراع بين إمبراطورية منهكة متعبة تلملم أخر اوراقها واخرى تعيد بناء مجدها.
وإذا ما أخذنا الصراع الخفي المعلن بين تركيا و فرنسا في ليبيا وحللنا أسبابه يمكننا أن نفهم جزءا من حركة التاريخ.
روسيا اقل خطورة من الوجود التركي!.
من المعروف أن فرنسا لا تجمعها مصالح مشتركة كثيرة مع روسيا إذا ما قيست بمصالحها مع دول الإتحاد الأوروبي الاقتصادية والعسكرية. ومع ذلك خالفت التوافق الأوروبي التركي في التعاطي مع ملف المشكلة الليبية، وهناك مؤشرات عدة منها:
خروج فرنسا من القوة البحرية التي شكلها الناتو لمنع وصول الأسلحة إلى ليبيا أبان عن وجود خلاف كبير بينها وبين دول الاتحاد الاوروبي بعد الصدام البحري بين قطع البحرية التركية و الفرنسية العاملة ضمن قوة الناتو في شرق المتوسط، كذلك تأييد و تمويل فرنسا للجنرال خليفة حفتر بالسلاح بشكل غير مباشر من خلال الإمارات و مصر في الوقت الذي تعمل فيه على منع وصول السلاح الى حكومة الوفاق الوطنية خصم الجنرال خليفة حفتر.
ولكن ما الذي يجعل فرنسا تتخذ موقفا معاديا من تركيا، مع تأييد و تسليح للجنرال المتقاعد خليفة حفتر … ما الذي يدفع فرنسا لسلوك هذا النهج مخالفة سياسة معظم الدول الأوروبية.
في تصوري لعدة أسباب، إيمان الاتحاد الأوروبي أن تركيا قادرة على بسط الأمن في ليبيا بتحالفها مع الحكومة الشرعية مما سيعيد استقرار الأوضاع الأمنية لأن البديل سيكون مكلفا جدا من خلال نزوح عمليات واسعة للهجرة الأفريقية غير الشرعية إنطلاقا من السواحل الليبية التي تقع على مرمى حجر من الجنوب الأوروبي، خشية الإتحاد الأوروبي من زيادة النفوذ الروسي في ليبيا مما يشكل تهديداً مباشرا للأمن في أوروبا مستقبلا، المنافسة غير المعلنة بين الإقتصاد التركي المتنامي و الفرنسي زاد من خشية فرنسا من فقدانها لأسواق كانت تعتبرها من المسلمات البديهية في عالم التجارة، خوف فرنسا الشديد من إتخاذ تركيا من الأراضي الليبية نقطة للإنطلاق والتوسع غربا ناحية دول المغرب العربي وجنوبا ناحية دول جنوب الصحراء والغرب الأفريقي لنشر مشروعها الحضاري في ارض خصبة تجمع بينها وبين تركيا العثمانية كثير من نقاط التلاقي و المصالح المشتركة و التاريخ و الدين، التخلي عن حليفها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر سيمثل شبه هزيمة للسيد مانويل ماكرون وًخصماً من رصيد فرنسا العسكري والسياسي في علاقاتها مستقبلاً مع أي من الزعامات الأفريقية.
من هنا نجد أن فرنسا تخشى على مناطق نفوذها القديمة، فخروجها منه سيكلفها المزيد من الخسائر في المسقبل القريب على حساب الصاعد الواعد تركيا العثمانية .