كلكم معنيون … أيها المسؤولون الذين لا يُسْأَلون

حمادي الغاري

لا يملك المرْء إلاّ أن يدعو الله بالمزيد من العفو والعافية، وبالكثير من الصبر والمُصابرة، والحكمة والتحكُّم حتى لا نسقط في المتاهات والتفاهات ،أو في الدَّوْخَة والتَّلْفَة، ونصبح لا نَلْوِي على شيء،ولا نقشع أيّ شيء.وربما قد نُصاب بالزهايمر حتى لا نعلم من بعد عِلْمٍ شيئا.

أقول هذا بعد أن تذكَّرت ، يوما، ما قاله رئيس الحكومة،الدكتور سعد الدين العثماني،وهو يطلب ويدعو أعضاء حكومته، من منبر البرلمان، للانتقال إلى المناطق النائية التي تعاني من الخصاص، والتواصل مع المنتخبين والمجتمع المدني وعموم المواطنين.وأضاف قائلا :”من احتج سنذهب عنده احتراما له ،والذي لم يحتج سنذهب عنده احتراما له”.

اجتماع مجلس الحكومة

كأنّي برئيس الحكومة يريد أن يُشْهِد الرأي العام على أنه تحمّل مسؤوليته من خلال حثَّه الوزراء على أن يُشَمِّروا على سواعدهم وسِيقانهم ،ويتحمّلون عِبْءَ السفر إلى المناطق النائية ، ويلتقون مع سكانها ويستمعون لهم.. ثم يعودون من حيث جاءت بهم الطيارة أو السيارة.

هاهم الناس يحتجون، عن وعي أو بدونه.. فكم  من وزير ذهب عندهم ؟ وكم من مسؤول استمع لهم ؟ وكم من والٍ فتح مكاتب ديوانه ؟ وكم من عامل استقبل هؤلاء وأولئك من الناس المغلوبين على أمرهم ..ليعرف ما يجري .. وكم .. وكم… من المسؤولين ،المنتشرين في طول البلاد وعرضها ، جابوا البلاد طُولاً وعَرضاً  للوقوف على حقيقة ما جرى ويجري .

ماذا بعد هذا؟ العِلم عند الوزراء  ومختلف المسؤولين الذين عليهم أن يتحمّلوا ـ المساكين ـ مشاق السفر إلى أقاليم وجهات المغرب العميق.وأكاد أجزم أن بعضا منهم لا يعرف شيئا عن هذا الوطن ومواطِنيه.

لا،السيد رئيس الحكومة. عليك أن تراجع سُوَرِك لتعرف أن عاهل البلاد سبق أن أشار إلى ذلك في إحدى خطبه القوية.وقبل ذلك،ذهب إلى أبعد نقطة نائية، وتجوّل بين دروب الدواوير، يسير وسط الأوحال والأمطار والثلوج،ويستمع إلى نبض هذه المناطق البعيدة،ثم عاد في خطاب آخر له ليدعو المسؤولين من وزراء ووُلاة وعمّال وغيرهم إلى ضرورة الاتصال والتواصل مع المواطنين، وفتْح مكاتبهم لاستقبالهم، والإصغاء إلى نبض الشارع.. في حين أن هذا النوع من المسؤولين لا ينزلون من سياراتهم (عفوا سيارات الشعب ـ الدولة) ،ولا يغادرون مكاتبهم إلا ليعودوا إليها !!!

كم من والٍ وعامل وباشا وقائد يستقبل المواطنين؟وما هو معدّل استقبالاتهم في اليوم ؟كم يخصّص من “وقته الثمين” للاستماع إلى أبناء الشعب؟أما الوزراء، فلا يمكن أن نتساءل بشأنهم لأن مكاتبهم أبْعَد من أن يصلها مواطن؛ثم إنهم منشغلون بقضايا أخرى،ويهُشّون على قطط أخرى « ils ont d’autres chats à fouetter » ،كما يقول المثل الفرنسي.أخشى أن أقول:لا أحد من هؤلاء وأولئك أخذوا المبادرة. وفي أحسن الأحوال ،هناك قِلَّة قليلة منهم.وحتى إن قامت هذه القلة من المسؤولين بزيارة ، فإنها تكون خفيفة ومن باب رفْع العَتَب ،والعودة من حيث أتوا.

الأغرب في الأمر أن دبلوماسيين أجانب بالمملكة يعرفون أرجاء المملكة أكثر من مسؤولين مغاربة؛ولا يترددون في زيارة المناطق النائية بين الفينة والأخرى.لأنهم يريدون أن ينقلوا الصورة الحقيقية لعواصمهم ، وليس الاكتفاء بالتقارير التي تُقَدَّم إليهم في مكاتبهم المُكيَّفَة مصحوبة بكؤوس الشاي أو القهوة والمشروبات وما جاورها. فمتى يخرج المسؤولون عندنا من المكاتب إلى أرض الله الواسعة؟

سمعت يوما رئيس الحكومة، المحترم، يقول أن الحكومة بصدد إعداد برنامج طموح لتنمية العالم القروي برسم الفترة الممتدة ما بين 2016 و2022، بغلاف مالي يقدر ب 50 مليار درهم؛وهو كلام قيل في عهد حكومة سَلَفِه عبد الإله بنكيران التي لم تفعل شيئا.أما الحقيقة، فإن الأمر يتعلق بدراسة ميدانية لمختلف جهات المملكة، كشف عنها الملك محمد السادس، ومكنت (الدراسة)من تحديد أزيد من 24 ألف دوار، في 1.253 جماعة تعاني من الخصاص وتستلزم استثمارات للتأهيل الاجتماعي؛وتشمل على الخصوص بناء الطرق وفتح وتهيئة المسالك القروية والمنشئات الفنية (35،4 مليار درهم) ،والتزويد بالماء الصالح للشرب (6 مليار درهم) ،وتأهيل مؤسسات قطاع التعليم (5 مليار درهم) ،والصحة ( 1,4 مليار درهم) ،والكهربة القروية (ملياري درهم).لكن،على من “يَطْنَز” رئيس الحكومة؟ على الملك؟على الشعب؟على نفسه؟…؟

إذا كان المسؤولون ،من مختلف الدرجات والأسلاك،لا يحبِّذُون السفر إلى المناطق النائية؛ وإذا كان الموظفون لا يُطِيقُون تعيينهم للاشتغال في هذه المناطق، ويتشبثون بمطلب العمل في المدن الكبرى ، مع دعم ومساندة من بعض الأجهزة الحزبية والنقابية ..  فمن سيخدم هذه البلاد؟ من سيصلحها ويحميها ؟ العفاريت والتماسيح؟أم الجِنّ ..؟ أم الأشباح؟؟

لنتأمل هذه الصورة،وليقرأها كل واحد بتمعُّن وتأمّل كبيرين: حين تُسَدّ أمام المواطن مكاتب الموظفين يذهب إلى مكتب القائد، فيقال له :”القايد غير موجود”.ويقرر الذهاب إلى الباشوية،فيقال له:”الباشا غير موجود”.ويتوكل على الله ويذهب إلى العمالة ،فيقال له:”العامل غير موجود “.وهنا لا يجد بُدّاً من السفر إلى حاضرة الجهة (الولاية)على أمل أن يبتَّ شكواه للسيد الوالي(والشكوى لله) فيقال له”السيد الوالي غير موجود”.

المثير للتعجب والتقزز أن كل هؤلاء المسؤولين ليسوا غير موجودين .لا، بل”يكونون في اجتماع”.. اجتماعات لا تنتهي.. بينما مشاكل المواطنين ومصالحهم تتراكم وتتعاظم.. وحين يكون كل واحد من هؤلاء في مكتبه، يُقال للمواطن:”إنه مشغول”.هذه هي القاعدة: “المسؤول غير موجود” . وإذا كان حاضرا ،فهو منشغل. أما قمة الاستهزاء بالمواطن فتتمثّل حين يقول له مدير الديوان أو الكاتب أو الكاتبة:”اترك لنا رقم هاتفك للاتصال بك”.

و”سِيرْ الضِّيمْ”.

هنا يكمن الخلل .وما على المسؤولين إلاّ أن يفتحوا عيونهم وآذانهم وقلوبهم وصدورهم وضمائرهم وعقولهم .. فالمكتب الذي توجد فيه ؛والكرسي الذي تتربّع عليه ؛ والسلطة التي تنتشي بها ..والامتيازات التي تستحوذ عليها .. كل هذا كان لِمن قبلك .ولو دام له لما وصل إليك.فأنت المسؤول …مسؤول ،فبماذا سترد على السؤال أيها المسؤول …قبل أن يتَّسِعَ الخَرْق على الراقع؟؟؟

إيه يارئيس الحكومة ،ويا أيتها الحكومة، ويا أيها الولاة والعمّال ويا أيها  المسؤولون الذين لا يُسْأَلُون، ومن معهم وجاوَرَهُم.. كلكم معنيون .كلكم مسؤولون.

 

 

 

اترك تعليقاً