تعيش مدينة سيدي قاسم ،على مدى أربعة أيام على إيقاع مهرجانها المسرحي ؛ وهو تقليد لافت دأبت عليه المدينة بفضل مجهودات وتضحيات رجل يعشق ويتنفس ويعيش المسرح بكل جوارحه وأحاسيسه ؛ولا يرى حياته بدون مسرح ..
عبد الخالق بلفقيه وحمادي الغاري في ليلة مقمرة صافية بسيدي قاسم
تعلق الأمر بالأخ والصديق الأستاذ عبد الخالق بلفقيه الذي أعرف مدى ارتباطه وعشقه الأبدي بالمسرح منذ نعومة أظفاره ..يوم كانت سيدي قاسم ،وهي بعد بلدة صغيرة ، لا يوجد فيها لا دار الشباب ،ولا خزانة ، ولا أي شيء ..لكن كان يوجد فيها فتية وفتيات؛ شبان وشابات ..آمنوا برسالة اسمها :فن المسرح ،وثقافة المسرح، وممارسة المسرح ،وعشق المسرح ،لأنه لا يمكن أن تمارس المسرح إن لم تكن تعشقه …حتى النخاع.
يومها كان المسرح بهذه المدينة الجميلة، لكن جمالها استباحه من تناوبوا على اغتصابه وانتهاكه طيلة عقود وعقود أناس يكرهون، حدّ المقت، شيء اسمه المسرح. لكن ،لحسن حظ هذه المدينة كان فيها “أصدقاء الفن القاسمي” الذين تمكنوا ،وهم “يعضون في اللحم الحي ” كما يقال ،واعتمادا على إمكانياتهم المحدودة جدا .. من جعل الاهتمام بالمسرح في سيدي قاسم يتسع يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهرا، وعاما بعد عام، حتى أصبح يدخل إلى المؤسسات التعليمية من بابها الواسع.ومن ينسى العروض المسرحية التي كانت تختتم بها السنة الدراسية بالمدينة في جنبات ثانوية المنصور الذهبي (التي تحمل اليوم اسم إعدادية المهدي بن تومرت )..
موازاة مع هذا التقليد المسرحي ،كان الشباب يجد ضالته في دار الشباب ،التي بالرغم من صغرها وضيقها ، كانت تشكّل فضاء رحبا لمختلف الأنشطة ،وعلى رأسها المسرح ..الذي كانت تشرف عليه “جمعية أصدقاء الفن “، برجال مثل التهامي نوغاش، أحمد بياض، محمد بن عبابة … وآخرين. ومن هذه الدار الصغيرة ستظهر أسماء ستعلن عن نفسها ،مثل سعيد مهمّة ، عبد الخالق بلفقيه ، الشابة الحضرمي، المختار الملهوف، عبد الوهاب العويسي ….هؤلاء وغيرهم مِمّن لم تحضرني أسماؤهم، فيهم من مات ومنهم من لا زال قيد الحياة، جعلوا المدينة تتنفس مسرحا.
موازاة مع هذا المسرح المنظم ؛ كان هناك مسرح آخر في الهواء الطلق ؛في ساحة “الباساج” بحي صحراوة الشهير. هنا كان المسرح التلقائي ،الشعبي في فضاء الحلقة ..حيث يجد الكل ضالته في الإمتاع والمؤانسة .
اليوم ،ونحن مع مهرجان سيدي قاسم للمسرح ،لا يسعنا إلأ أن نترحم على من غادرنا من الرواد ،ونحيّي من لا زال بيننا منهم ،ونشجع الذين جاؤوا بعدهم ،والذين سيحملون مشعل المسرح بهذه المدينة التي تأبى إلا أن تتنفس وتحيى وتبقى واقفة شامخة رغم ما تتلقاه من ضربات ،ما ظهر منها وما خفي ،وما تعانيه من متاعب ومشاكل كان من المفروض أن يكون المعنيون بتسيير شؤونها قد وجدوا لها الحلول الناجعة والصائبة.
ومن المفروض على شباب المدينة أن تتظافر جهودهم وتطلعاتهم وأحلامهم ،وتوحيد إرادتهم من أجل تجاوز المشاكل المفتعلة ،والعراقيل المصطنعة ،والشائعات المروجة.. من أجل إحداث دينامية ثقافية ،وفي طليعتها القطاع المسرحي، والتطلع لجعل المسرح يساهم بدوره في مسلسل التنمية .