صباح الخير ياوطني : جامعاتنا … بين الأمس واليوم

حمادي الغاري

حينما قرأت بعيني، وأضفت إليهما قلبي ثم روحي، معطيات حول حقيقة مكانة الجامعات المغربية ـ وما أكثرها ـ لم تُصَدّق عيني ما قرأَتْ، وقال قلبي “لا”،وامتنعت روحي عن الأخذ بهذه المعطيات التي إن لم تكن منصفة ، فهي من الحقائق التي في حاجة إلى بيانات حقائق  من طرف الذين يُسَيِّرون ويُشْرفون ويتحكمون في تدبير وإدارة المؤسسات الجامعية بالبلاد،لا أن يظلوا مُتسمِّرِين على كراسيهم ،قابعين في مكاتبهم لا يغادرونها إلاَّ بقرار إعفاء أو انتقال ..إمّا إلى مدينة أخرى أو إلى الدار الأخرى … الدائمة.

مدرج جامعي

تساءلت، وأنا أطلِعُ على تلك المعطيات: هل كل جامعات وطني في سلَّة واحدة من التخلف والتقهقر والانحدار والاندحار؟ هل جميع المؤسسات الجامعية التي يعجُّ بها وطني، ويفتخر بها مُواطنِي، في أسفل سافلين، ولا واحدة منها “تْضَوِّي لبلاد”؟  وأنا أتساءل تذَكَّرت في نفس الوقت أن المغرب كان أشهر من نارٍ على عَلَم في مختلف بقاع العالم،ولم يكن يتوفر سوى على جامعة واحدة قيل لنا أنها أقدم جامعة في العالم .كانت جامعة القرويين مِلْءُ السمع والبصر في مشارق الأرض ومغاربها، أخْرَجَت وتخَرّجَ منها فطاحل الفقهاء والعلماء والأدباء والمفكرين وحتى السياسيين..وتساءلت:ما المانع وما السبب أو الأسباب في عجز جامعاتنا،العصرية ،الحداثية، المبثوثة في كل ركن من أركان هذا البلد الأمين،التي تُعطي وتُلَقِن الدروس والمحاضرات والمعارف بسبعة أَلْسُن إلى جانب اللسان العربي الفصيح، ولم تُعْطِنا اسما وازِناً ،حاضرا،في مجال تخصُّصِه ..مثلما أعطت جدَّتُها (القرويين) في غابر الزمن…وجامعة محمد الخامس بالرباط ؟

وأنا أتساءل، أستحضر السنوات التي قضيناها، نحن أبناء جيل السبعينيات من القرن العشرين، في جامعة واحدة (محمد الخامس بالرباط) كانت مُدرجاتها وأقسامها تضم كل الطلبة الوافدين من جميع أركان البلاد.. ومن خارج البلاد ..وأخرجت أدباء وسياسيين ومسؤولين ورجالا من طراز عالٍ ..وكان يُدَرِّسُ بها  أساتذة “مْعَلْمِين” من العيار الثقيل ،مثل الدكاترة:محمد عزيز الحبابي، المهدي بنعبود ، محمد عابد الجابري، محمد جسوس ،فاطمة المرنيسي، عبد الرزاق الدوّاي، احمد السطاتي، ادريس الكتاني، إبراهيم بوعلو… إلى جانب أساتذة مصريين بارزين مثل:رشدي فكّار، سامي النشار، نبيل الشهابي…وما أدراك ما فكّار والنشّار والشهابي… ومَن سار على نهجهم وجدِّيتهم مِمَّن جاؤوا بعدهم.

                            ++++++++++++++      

يُصَنِّف ترتيب “ويبوميتركس2017” جامعاتنا الوطنية في القاع الأسفل للجامعات الدولية .واللافت للانتباه أنه لا توجد جامعة مغربية واحدة حتى ضمن مجموعة الألف جامعة الأولى في التصنيف المذكور.وأول جامعة وطنية توجد في الرتبة 1994 ، وهي جامعة القاضي عياض بمراكش التي تحتل الرتبة 42 على صعيد الجامعات العربية.أما جامعة محمد الخامس بالرباط ،أيقُونة الجامعات الوطنية العصرية ما بعد الاستقلال،فتقبع في المرتبة 2873 عالميا،وفي الرتبة 73 عربيا، بينما جامعة محمد الأول بوجدة في الرتبة 2461،وجامعة  ابن زهر بأكادير في الدرجة 3186.

حتى جامعة الأخوين، التي يتطلب التسجيل بها سباق الماراطون (أربعين كلم) ،وسباق القفز على الحواجز..مع البِرَك المائية…الكثير من الجُهد والنَّفَس الطويل ،والالتحاق بها يفرض أموال قارون الذي” آتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ …”، توجد في الصف 3255عالميا، والصف 86 عربيا.

                           ++++++++++++++

 بغض النظر عن هذه المعطيات والأرقام ،فإن أحوال جامعاتنا لا تسر ولا تُطَمْئِن :مستوى ليس في المستوى؛شيوع طريقة أو أسلوب “نقل ـ لصق“(copier-coller)،انتشار عملية “النْقِيل” والغش ؛سرقة محتوى أو مضمون البحوث؛انتشار سوق السمسرة في الدبلومات؛ظهور جيل من حاملي الشهادات العليا (الماجيستر الدوكتورا..) لا يستطيع كتابة نص إنشائي أو تحرير مقال أو رسالة..وبين هذا وذاك استغلال فظيع لبعض الأساتذة الدكاترة “المبجلين” لمركزهم ووظيفتهم ،لوظروف الطالبات وإجبارهن على الخضوع لنزواتهم الجنسية مقابل النجاح وبالتالي الحصول على الدبلوم… وغيرها من الفضائح التي كانت المدرسة والجامعة الوطنية في منأَى عنها ..

نقول هذا ونتذكر كيف أن مدرجات جامعة محمد الخامس بالرباط كانت تعرف اكتظاظا كبيرا وازدحاما شديدا..وجَلَبَة وشيئا من الفوضى الناعمة…لكن بمجرد أن يدخل الأستاذ (أستاذ يُقام له ويُقْعَد) يسود صمت رهيب في انتظار أن يشرع الأستاذ في إلقاء محاضرته

                                    +++++++++++

زمن جميل بكل تأكيد حين يُقَارَن بهذا الزمن الغير الجميل حتى لا نقول كلاما آخر…ياوطني.

تعليق واحد

  1. تبارك الله عليك السي حمادي كما عهدناك….
    انتم قيمة مضافة لهذا الموقع الفتي

اترك تعليقاً