في مناخ عام تكاد تنعدم فيه روح التعاون والتشاركية بين الفاعلين الحكوميين والجهات الاكاديمية والبحثية بخصوص الجلوس الى طاولة الحوار والتفكير العميق في أفق إبداع حلول للقضايا والاشكاليات المطروحة، ناهيك عن الاستجابة الى تطلعات المواطن المغربي في العيش الكريم والعدالة والأمن والاستقرار والولوج للحقوق والتمتع بها.
وأمام غياب تام لمراكز تفكير مغربية مصنفة في الترتيب العالمي، من حيث التأثير والابتكار والتواصل، وفي ظل انعدام مبادرات قدمت أفكار جديدة ومبتكرة ونماذج تم تطويرها بنجاح أو نيل بحوث متعددة التخصصات ثقة مؤسسات التصنيف العالمي، أو مؤسسات بحثية لها تأثير مهم على السياسات العمومية بالمغرب. تولدت الرغبة في خوض غمار تجربة جديدة من قبل مجموعة من الباحثين الجامعيين لتأسيس مركز للتفكير ينهل من تجارب أعضاءه المختلفة وإرادتهم في تطوير ممارسات بحثية فضلى في ميادين ومجالات علمية متنوعة، كما ستعمل بالموازاة مع ذلك على دعم عملية التفكير والتحليل في مجال السياسات العمومية وكذا نهج مسار أكاديمي وعلمي استباقي لمجابهة التحديات الناجمة عن معيقات التدبير والحكامة واشكالات الفقر والهشاشة ونذرة الموارد وابتكار استراتيجيات عمل للإجابة على أسئلة التنمية وقضايا الاستدامة وتأهيل الحياة وشروط العيش الكريم.
إن هذه المبادرة ترنو في عمقها الى ملامسة القضايا المواضيعية المرتبطة أساسا بالنموذج المغربي في الديمقراطية والتنمية المجتمعية والمستدامة وترسيخ مفهوم المواطنة ومعالجة قضايا الهشاشة والفقر وتقوية الأمن المجتمعي وتوفير شروط العيش الكريم، وتعزيز الصحة وابتكار نموذج فعال للتعليم العالي بجامعاتنا ومؤسساتنا البحثية، وذلك بتحويل عديد النظريات والأفكار إلى رؤى وتوصيات معبأة لتنوير وتلبية احتياجات صانعي القرار وابتكار حلول ريادية استنادا الى معلومات موثوقة وذات صلة باختصاصات الفاعلين العموميين وسهلة الفهم.
وقد كللت الأشغال التحضيرية لتأسيس مجموعة التفكير والبحث والاقتراح، بانتخاب العالم النووي المغربي الدكتور المرابط الخمار رئيسا للمنتدى البحثي، باقتراح من المنسق العام للمجموعة الدكتور مصطفى أوزير، وذلك خلال الجمع العام التأسيسي، يوم الأحد 24 يوليوز 2022 بمكناس.
إن انتخاب قامة علمية كالدكتور المرابط الخمار على مؤسسة بحثية مستقلة بالمغرب، له دلالاته العميقة في علاقة باسترجاع الثقة في الكفاءات المغربية لتولي دورها في تحليل واقتراح الحلول المبتكرة للإشكالات والقضايا الضاغطة على مختلف جهات المغرب في مختلف مجالات وحقول المعرفة، ويرجع هذا الاختيار الى خلفية الرجل العلمية والتدبيرية على المستوى الدولي لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
وبمزيد من الوعي والإلمام بالتحديات الكبرى التي يواجهها المغرب، اقترح رئيس مجموعة التفكير والبحث والاقتراح، برنامج عمل برسم السنة الاكاديمية 2022-2023، يهدف الى تحديد ونشر الوعي باهتمامات المنتدى البحثي الجديد وفي مقدمتها، مشكلة نذرة المياه، وقضايا التنمية المستدامة والعدالة المجالية والقضاء على الفقر وتعزيز الولوج الى الحقوق الاقتصادية وإطلاح وتجويد التعليم والقضية الأمازيغية والتفاعل والترافع وطنيا ودوليا حول القضية الوطنية في شقها الاكاديمي والسياسي والحقوقي.
وقد اكد رئيس المركز على البدء في تنفيذ أهداف مجموعة التفكير والبحث والاقتراح، في علاقة بتحليل واقع التعليم العالي والمؤسسات الجامعية بالمغرب، والاشتغال على وضع تصور عميق لأدوار تلك المؤسسات وغاياتها وتفاعلها مع محيطها وأثر المعارف التي تنتجها على منتسبيها وعلاقة ذلك بحاجة المجتمع والجهات الاقتصادية من تلك التكوينات، وملاءمة كل تلك القضايا مع السياسات العمومية المنتهجة من قبل حكومة المملكة المغربية الحالية، بما يضمن الجرأة في التحليل والاستقلالية والفعالية في انتاج تصورات ستمكن من إحداث تغييرات عميقة في قطاع التعليم العالي قصد تجويده وجعله أكثر تنافسية بالمقارنة مع أنظمة تعليمية دولية أخرى.