

إذا كان من حق تركيا أن تشترى من السلاح ما تراه مناسبا لاحتياجاتها وقت السلم لردع أي عدو يمثل تهديدا لأراضيها، وإذا ما علمنا أنها تتوسط منطقة مضطربة سياسيا و عسكرياً، فحدودها مع سوريا و العراق مازالت غير مستقرة و كذلك جارتها الأوروبية اليونان و استفزازاتها المتكررة مدفوعة بأطراف أوروبية خاصة فرنسا لمنع تركيا من التنقيب عن الغاز او النفط في شرق المتوسط وفرض الأمر الواقع، هنا يصبح واجباً على الحكومة التركية أن تشترى أي من المنظومات الدفاعية حتى وإن كانت صواريخ إس_400 الروسية حماية لمصالحها و أمنها القومي.
إذاً ما الذي يدفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية و عسكرية عليها؟
بالفعل نفذت الولايات المتحدة ما هددت به من قبل، و فرضت عقوبات شملت إدارة الصناعات الدفاعية ورئيسها اسماعيل دمير وثلاثة من الموظفين الآخرين، ومن الجدير بالذكر أنها أوقفت الاتفاق مع تركيا بشأن الجهود المشتركة لتطوير مقاتلة “إف-35”.
في البداية عملية شراء تركيا لمثل هذه المنظومة الدفاعية لا تخالف قوانين حلف الأطلنطي العسكرية على اساس أن تركيا تعد عضوا فيه .
وإذا كان من حق تركيا أن تشترى من الأسلحة ما تراه مناسبا، في الوقت ذاته لم تخالف القوانين العسكرية لحلف الأطلنطي، فما المشكلة إذن؟
عملية شراء منظومة صواريخ إس_400 لها أبعاد كثير:
الشق الأول عسكري، فالولايات المتحدة لا تريد للأسلحة الروسية أن تتوغل وتصبح بالقرب من حدود حلفائها الأوروبيين، كما أنها في ذات الصدد تخشى على قواتها و قواعدها العسكرية الموجودة في بعض دول اوروبا هناك، كما أن شراء تركيا لهذه المنظومة يفتح الباب أمام إقبال دول أخرى تعتبرها الولايات المتحدة سوقاً دائمة و زبونا مضمونا.
الشق الثاني مسألة اقتصادية، فبالعودة إلى ما ستدفعه الخزانة التركية مقابل الحصول على هذه المنظمة للخزانة الروسية سيمثل رافد كبيرا لمزيد من التطوير الروسي لصناعاتها العسكرية في الوقت الذي سيخصم من رصيد نظيراتها الأمريكية، والدليل على ذلك ما ذكره السيد بومبيو وزير الخارجية الأمريكية في تبريره لهذه العقوبات عندما أشار الى أن حلف الأطلنطي تنتج دوله منظومات دفاعية كان يمكن لتركيا أن تستفيد منها عوضاً عن المنظومة الروسية..
الشق الثالث يتعلق بسيادة الدول و قراراتها المصيرية، فالولايات المتحدة تريد أن تفرض سطوتها السياسية و أوامرها، و على الآخرين أن يستمعوا حتى وإن كان ذلك على حساب سيادة و استقلالية الدول.
الشق الرابع بالعودة إلى العقوبات والأشخاص الذين طالتهم تلك العقوبات.. ما علاقة إدارة الصناعات الدفاعية ورئيسها بشراء منظومة الصواريخ، كان من المنتظر أن تشمل العقوبات وزير الدفاع او رئيس الأركان! على أساس أنهما صاحبا القرار الأول و الأخير في مدى حاجة القوات التركية في هذه المنظومة، كما أنهما المعنيان مباشرة بعملية التعاقد و الشراء، وبالتالي اختيار هذه الإدارة “الصناعات الدفاعية” تحديداً يبعث برسالة غير مباشرة تريد الولايات المتحدة من خلالها عرقلة تركيا عن تطوير صناعاتها العسكرية، خاصة إذا علمنا أن منحنى مبيعات تركيا من الأسلحة الدفاعية إرتفع بشكل كبير في الآونة الأخيرة مما يمثل تهديدا فعلياً لمنتجي الأسلحة التقليدين كالولايات المتحدة و بعض دول اوروبا.
في نهاية الأمر تعاقدت تركيا على المنظومة و قامت بتجربتها غير عابئة بكل التهديدات التي تناثرت شرقا و غرباً، وأكدت على حقها في شراء ما تراه مناسبا لحماية أمنها وسيادة قرارها.