
محمد إدسيموح
شكل التعليم عن بعد “الوضع الطبيعي الجديد” في منظومة التربية والتكوين إبان فترة الحجر الصحي، ثم كاد يصير خيارا هامشيا مع مقدم الموسم الدراسي الحالي (2020-2021)، بعد أن عبرت 80 في المائة من الأسر المغربية عن تفضيل نمط التعليم الحضوري. ولأن الأساليب البيداغوجية، ومعها الأوضاع الاجتماعية والنفسية للأسر، تقف عاجزة أمام تقلبات الوضع الوبائي وتبعاته، فلا ينبغي تفويت فرصة اغتنام هذه الأزمة لتجويد التعليم عن بعد باعتباره اختيارا تربويا مكملا للتعليم الحضوري.
ويذهب العديد من الخبراء في مجالات الاقتصاد والإجتماع والسياسة إلى أن التعامل مع الأزمة الصحية الحالية وتداعياتها يستلزم مراعاة الشروط الأولية التي كانت حاضرة قبل الأزمة، ولعل استحضار هذا الجانب حين تناول موضوع التعليم عن بعد بالمغرب بات من أوكد الأولويات، على اعتبار أن معرفة الأرضية المسبقة للأزمة تشكل مفتاحا رئيسا لفهم طبيعة ومآلات الإجراءات المزمع اتخاذها.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن هذا النمط التعليمي ليس وليد لحظة الأزمة الصحية القائمة، بل كان، ولفترة طويلة، مطلبا ملحا لدى مختلف الفاعلين في القطاع، لاسيما بعد أن تضمنته الرؤية الإستراتيجية للتربية والتعليم 2015-2030 التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حيث شددت على ضرورة “تنمية وتطوير التعلم عن بعد باعتباره مكملا للتعلم الحضوري، وعاملا في تنمية ثقافة العمل الجماعي والتشاركي”.
كما اقترن مفهوم التعليم الجيد، في كل من الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكذا في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، برفع تحدي الفجوة الرقمية، وذلك من خلال التنصيص على مقتضيات تهم الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في سيرورة التعليم والتعلم.
غير أن التصورات التي تضمنتها التشريعات في المجال التربوي لم تتطرق إلى الاحتمالات الصعبة التي أفرزها واقع الأزمة الصحية، فنجمت عن ذلك حالة من الارتباك الطبيعي الذي لم تسلم منه المنظومات التربوية في العالم أجمع. وهو ما يطرح سؤال التجويد في أفق تلافي الصدمات المحتملة مستقبلا.
وفي هذا الإطار، يرى الأستاذ بالمدرسة العليا للأساتدة بمراكش، لحسن تفروت، أن المدرسة المغربية تراهن على تعميم تعليم و”تعليم عن بعد” جيدين، مؤكدا أن هذه الجودة لن تتحقق إلا في مدرسة جديدة مفعمة بالحياة، من خلال نهج تربوي نشط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي.
وأوضح تفروت، في تصريح ، أن جودة التعليم عن بعد لن تتحقق إلا بإعادة النظر في المقاربة البيداغوجية وفي الطرق المتبعة في المدرسة، وذلك بغية الانتقال من منطق تربوي سلبي يرتكز على المدرس وأدائه ويكون مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين، إلى منطق آخر إيجابي يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين، وتنمية قدراتهم الذاتية، وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار.
وعلاقة بالشروط البيداغوجية الكفيلة بتجويد التعليم عن بعد، خاصة في علاقته بالمقاربات البيداغوجية، من قبيل الكفايات، والتفكير الناقد، والقيم، في المدرسة المغربية، أبرز لحسن تفروت أن الرقمنة تعد مدخلا إلى تجويد التعليم عن بعد بالمغرب، مشيرا في هذا الصدد، إلى أن المغرب اعتمد على عدد من الآليات لإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في مختلف مستويات منظومة التربية والتكوين.
وأشار إلى أن الوثائق التربوية والتشريعية المؤطرة لمنظومة التعليم في المغرب غنية بالبنود التي تتحدث عن إدماج الأجهزة التكنولوجية الحديثة ضمن الوسائل التعليمية، وجعلها وسيطة في التعليم، مستحضرا، في هذا السياق، توسيع البرنامج الاستعجالي لوعاء التوزيع الخاص بالحواسيب في برنامج “جيني” (GENIE) وغيره.
من جهة أخرى، وفي معرض تناوله للإمكانيات التي من شأنها تجويد التعليم عن بعد، شدد الأستاذ الزائر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش، على أنه لا ينبغي للتعليم عن بعد أن يغفل، في أي من مراحله، العلاقات الإنسانية في الأبعاد التي تتعلق بشخصية المدرس والمتعلم، خاصة على المستوى الاجتماعي والنفسي، حيث يتعين استحضار المتعلم الانسان خلال سيرورة هذا التعليم.