
حسن غوتي
لم نسأل أنفسنا يوما لماذا نتهم الحمار بالبلادة؟ وننعته بوجه “تمارة” مع أنه في الواقع ليس كذلك ،ولعل مجرد تأمل بسيط في حياة المخلوق يثبت أنه كائن ذكي بالرغم من أنوفنا جميعا ،لكن العادة وحدها جعلتنا نقر ذلك ونعتبره قاعدة، والحقيقة أنه فاتنا بتعميم القاعدة هاته أن نقارنه بالمخلوق الآدمي لا مجرد مقارنة بسيطة ، لندرك المفارقة العجيبة.
انا لا أدعو إلى التفلسف في القضية ،فما في الأمر أننا سنتواضع والتواضع شيمة العظماء ونتنازل شيئا ما لفائدة الحقيقة.
فالحمار مخلوق يتغابى ليطيع ربه ويتبلد من أجل عدم عصيان بني آدم لأنه يعرف أن الرسالة التي من أجلها خلق، هي أن يخدم صاحبه ويتفانى في طاعته، بل يقدسه حتى الموت، فهل فكر أحدنا يوما ما في شيء من هذا؟ لنتصور لو أن هذا المخلوق القوي أصر على العصيان وثار على بني آدم ،من ذا الذي سيستطيع صد ثورة الحمير إذن ؟ في هذا الركن سأتأمل معكم وسأقارن سيرته التي أهدانها مشكورا.
إن الحمار قد حقق حلمه بولوج استوديوهات هوليود ونجح في اقتحام قنوات تسويق الجسد ، وفيديوكليبات السيرك العالمية وحلبات المهرجانات والمسابقات بفضل ما يتوفر عليه من ذكاء وشبق …فما الذي يمنعه من التطلع إلى استحقاقات بشرية أخرى مادام قد حقق الكثير منها؟ فطموحه لم يتوقف عند هذا الحد ، بل بات يناضل بطرقه الجهنمية السيكسوفاجية ليحقق الأحلام الأكثر استحالة والتي لم يحققها حتى الذين يركبونه لقضاء حاجاتهم مادام قد حقق نوعا من التوازن مع راكبيه الذين يحتقرونه ويمارسون عاداتهم السرية..فما يمنعه من أن يطمح إلى دخول قبة البرلمان أو لرئاسة الجماعات مادام أن الآخرين الذين نرشحهم دوريا يذهبون ليستريحوا هناك من أعباء مشاغلهم الشخصية اليومية وليناموا ما لم يستطيعوا الظفر به من وقت النوم داخل بيوتهم ، فالحمار أشد حاجة منهم إلى فترة راحة بالمقايسة بين أعبائهم وأعبائه فعلى الأقل يمكن للحمار بصوته المزعج إن يوقظ هؤلاء النائمين من سباتهم وينهق في وجوههم بسخط وربما وصل صدى صوته إلى طبول آذانهم فيبادرون إلى التنفيذ فورا ومن غير مماطلة كما يفعلون مع المحتجين خارج القبة وأمام مقر الجماعات ومع سكان مناطقهم التي يمثلونها وقد لا يفوته طبعا إذا ما استشاط غضبا أن ينهال عليهم ركلا وعضا، وربما تمنى أن يكتفي بذلك وألا يثور غضبه أكثر ، فيضطر إلى إخراج صاروخه المخل بالحياء أمام السادة والسيدات المحترمين، مما قد يعقد الأمور فتكون بذلك مسألة إرضاء السيد الحمار أمرا مفروغا منه، بل ضروريا لتحاشي احتمال تفاقم الوضع وبروز مفاجآت أخرى من مواهب السيد الحمار.
الأكيد أن البعض في قرارة نفسه سوف يتحمس لهذا المشهد، والأدهى من ذلك أن البعض الآخر ما كره دخول الحمار رفقة انثاه تهرب منه الى الخارج ليكمل ملحمته أمام أنظار السادة النوام والمستشارين الجماعيين الذين ارهقتهم الشعارات الكاذبة والخطابات الثرثرية المزرية تحث معطى” إحاطة علما” .لكن الأمر سيكون مخزيا أمام التقاء النظرات واحمرار الوجنات وتيقظ الملاذ الداخلية فقد ” يسخن الطرح” وينقض الراغب على المرغوب فيه وتتحول الساحة إلى مشهد معدل على مقاس حلم السيد الحمار الذي يريد أن يحول معايير البشرية إلى كونية جنسية بتحوله إلى رئيس حقيقي للجلسة ،فالحمار لا يحدد أهدافه بدقة، لكنه يقنع بكل ما يأتي على يده من حماقات وليست له بلاغة أشد شراسة من بلاغة الجسد، لذلك فهو يصر على أن يفهم من خلالها كل السلوكات الاخرى ولا تخلو نظرة من نظراته من خواطر الجنس فيصبح في نظره السلاح الذي لا يعادله أي سلاح آخر.
إن السلوك الغريزي لدى الحمار هو نوع من إعادة الإعتبار للذات ضد الاحتقار البشري خاصة أنه يدرك مدى الحرج الذي يخلقه هذا العنصر البيولوجي من عقد للإنسان ويعرف أنه مركب النقص لديه وهو يدري فعلا أنه متفوق على غريمه التاريخي في هذا المجال وكأنه يقول له ” لي ما عندو سيدو عندو لالاه” ..هو يعرف أن غريمه يفوقه بالعقل، لكنه يعرف أيضا أن الكثير من بني البشر يتمنى لو استبدل بما يمتلكه الحمار مادام العقل الذي يمتلكه لم يستطع أن يفعل به شيئا يذكر سوى شراء الذمم واستغلال الفقراء والشيوخ والنساء الذين لا حول لهم ولا قوة ، ويغذقون عليهم بأموال يعرفون حق المعرفة أنهم سيجنونها من المجالس الجماعية وقبة البرلمان، حيث النوم والأمان دون حسيب ولا رقيب مع خلق فئة فايسبوكية موالية تغطي نومهم ولو كان لهم ما يخفيه الحمار تحته على الاقل لفعلوا به الشيء الكثير من قبيل أن يشتغلوا في القنوات الفايسبوكية فيزمروا تزميرا ويصبحون فنانين مرموقين، وليذهب هؤلاء البسطاء الذين وضعوا ثقتهم وامانيهم وأحلامهم في هؤلاء الذين لا فكراولا مقترح لديهم، يجعلهم يتفوقون على الحمار الذي وعد بني البشر بأنه سيصلح الطرقات ،سيشغل العاطلين، سينمي المنطقة ،سينشىء مراكز ثقافية واجتماعية ورياضية و..و..سيحمل على الاقل هموم الناس إلى القبة الميمونة، أو إلى الدورة ليتداولها جميع من حضر ،بل وأن يستقيل من أجلها بدل البكاء على إحاطة علما والعلم لله …كلامي مع مواليه وتحية الفئة التي فهمت كل حرف..