

معلم من معالم الثقافة الإجتماعية المغربية، تاريخه، ذكرياته، وحاكوية، غارقة في المزاج الشعبي الممتد على طول مساحة الأرض كما الأغنية الڴناوية، يمثل قصة عشق وهوية، لا تقل في جمال إرتباطها عن قصة عشق إيسلي وتيسليت التي جمعت شابا من قبيلة آيت إبراهيم وفتاة من قبيلة آيت إعزة بمنطقة إملشيل الأمازيغية، وسط المغرب، كان حب الشابين لبعضهما أسطوريا تعدّى بسطوته قوة القبيلتين وما تحملانه من سلطة على أبنائهما في ذلك الوقت، فأصبحت قصة عشقهما مهرجاناً سنوياً لخطبة الفتيات الحسناوات بالشبان يأتونه من كل صوب و حدب، هكذا كوب الشاي المغربي تعدي عشق الناس له مجرد مشروب عادي.
إذا أدرت دراسة تاريخ الفن لن تجد صعوبة في تتبع حركته عبر التاريخ الإنساني، و لكن إذا اردت دراسة عالم المزاج ستغوص قدماك في عوالمه ولن تستطيع أن تسترد طريقك مرة أخرى إلا حين تحتسي كوبا من الشاي المغربي بعد العصاري منفرداً أو مستأنساً بأحبابك في ساعة سمر مع الأهل في المنزل او أصدقاء العمل على مقهى وما أكثر إبداعاتها هنا.
على الرغم أن مناخ و تربة بلادهم لا تسمح بزراعته فقاموا بإستيراده مثل كثير من شعوب الأرض، ولكن لم يستخدموا مباشرة مثل غيرهم، بل تفننوا في تزيينه و تلميعه و تجميله بإضافة حلل فوق حلته.
ولأنه المشروب المفضل لديهم وعبر قرون ممتدة، أصبحوا يمتلكون رصيدا خبراتيا طويلا جعل منه ملكاً متوجا على عرش المشروبات و لكل الأوقات ،يبحث عن الأجبني أول ما أن تطأ قدماه أرض المغرب كما أنهم إعادوا تصديره مرة أخرى للعالم بمسمي الشاي المغربي.
النعناع ليس الإضافة الوحيدة التي تعطي لمذاق الشاي طعماً متفرداً، بل هناك أعشاب أخرى مثل فليو و اللويزة و زهرة البرتقال البيضاء و المانته والسالمية و وزهرة البابونج و الشيبة والريحان و الأزير”إكليل الجبل” مردودش و العطرّشة والزعتر والحبق ولكل نبتة معدوها ومستحسنيها.
يحتل النعناع مركز الصدارة في هذه الأنواع على إعتبار انه نبتة غير موسمية، وهو نوعان، النعناع الحر “القناوي” و العادي وكل منهم رائحته ومذاقه الخاص به و من حسن الحظ أن النعناع يتكاثر بشكل دائم و يعمر لعدة مواسم ممتتابعة كما أنها تزرع في أي مساحة كبرت أو صغرت ومنهم من يزرعها في حدائقهم الخاصة او في شرفات المنازل ولو أنها مثل نبات القمح أو الذرة لنافستهم في المساحة المزوعة كما يحدث في بلاد اليمن حين ينافس القات محاصيل إستراتيجية مثل البن و القمح.
تجده حاضراً صبح و مساء و في أفراحهم وأطراحهم ، تغلب على كل أنواع الفاكهة في استحواذه على المائدة ، كما أن طريقة إعداده تختلف من مكا ن لآخر .
تأثيره حاضر بشكل مباشر في حركة الناس و نشاطهم و ملامح أجسادهم التي تشير إلى تأثيره على قلة معدل السمنة عند الرجال و رشاقة أجساد النساء فيضيف لجمالهن جمالا، لذلك تجد المرأة المغربية جذابة تسحر كل الرجال بأخلاقها و جمالها و رشاقتها و ليس بسحرها كما يدعي أصحاب أنصاف العقول.
لم يعد الشاي مجرد كوب عادي. بل أصبح مصدر دخل لعشرات الألاف ممن يعملون في مصانع توليفه و إعداده، و طاهي الشاي الماهر لا يقل عن مصمم الأزياء إبداعاً فيتقاضون أجورا لا بأس بها في الفنادق و المقاهي، وصناعة المقاهي أصبحت تستحوذ على إستثمارات ضخمة لما تدر على أصحابها من ربح لا بأس به
عزيزي إذا كنت قد تشوقت لإحتساء كوبا من الشاي المغربي ما رايك إذا أن تشرفت بدعوتك لمشاركتي براد “أتاي” في مقهي الحافة التاريخي بمدينة طنجة عروس الشمال.
رزق المدني