عبد الواحد الأشهب
تحت ضغط الجائحة العالمية كوفيد19 التي ألحقت أضرارا جسيمة باقتصاديات العالم بلغت حد الشلل شبه التام، اصبح من المحتم تعبئة كل الموارد المالية المتاحة و غير المتاحة للتخفيف من تبعات هذه الأزمة العالمية بكل الطرق الممكنة، وفي هذا السياق اتخذ المغرب جملة إجراءات للتخفيف من وقع هذه الجائحة على القدرة الشرائية للمواطنين، بدءا بإحداث صندوق تدبير جائحة كورونا “كوفيد-19″، وما رافق ذلك من اجراءات مالية واجتماعية وتضامنية للتقليص من ثقل الأزمة على المواطنين و بخاصة ذوي الدخل المحدود. وفي هذا السياق تبقى الزكاة كأداة فعالة للتضامن و لخلق تفاعل مؤثر بين ذوي المال و ذوي الحاجة، من الآليات التي يمكن ان تلعب دورا مهما في تعزيز عرى التضامن بين مكونات المجتمع لمواجهة هذه الأزمة غير المنتظرة.
ونظرا لما تضخه الزكاة ولو بصورة مناسباتية من أموال هائلة، فقد طرحت منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي بالمغرب فكرة الاستهداء بتجربة دول اسلامية اخرى لتجميع اموال الزكاة في صندوق موحد توجه مداخيله نحو مشاريع سوسيو اقتصادية تستفيد منها الفئات الهشة، وهو إجراء ليس بالسهل تفعيله، لأنه من جهة يتطلب إجماعا من طرف كل مكونات المجتمع، كما يتطلب إرادة سياسية حقيقية و ليس فقط التعبير عن النوايا، ويتطلب ايضا آليات تدبير و مراقبة تكون اقوى من طرق تدبير الجبايات العادية. وهي شروط ما زال المغرب لم يوفر لها الأرضية اللازمة و لو انه باشر بنجاح طرقا شرعية ومالية وتمويلية مؤطرة من قبيل الابناك التشاركية ) الإسلامية( ، وطبع الموقف المغربي في هذا الصدد بالتردد و غياب الإرادة السياسية الفاعلة. فقد طرحت لأول مرة فكرة إحداث صندوق للزكاة سنة 1979 من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، في عهد حكومة المعطي بوعبيد، وقنن إحداثه سنة 1998، ولكن بعيدا عن أي قانون تنظيمي، ورغم أنه لم ينس في القوانين المالية المتعاقبة و لو بالتسمية، وظل مطلبا شعبيا ترجمته بعض الفرق البرلمانية من خلال مطالب بتفعيله، فانه ظل حبرا على ورق و مجرد تعبير عن نوايا، ولم تستطع الحكومات المتوالية بما فيها الإسلامية الراس ان تفعله ولا ان تخصص له اعتمادات. وهو موقف اثار الكثير من التساؤلات، وبخاصة اننا في بلد يتمتع بالشرعية الدينية من خلال إمارة المؤمنين ومن خلال توفره على مؤسسات دينية مؤطرة من قبيل رابطة علماء المغرب التي لم تتوقف في كل مناسبة عن الدعوة إلى إحداث صندوق خاص بالزكاة، والمجلس العلمي الأعلى ، هذا فضلا عن مخرجات تضامنية توفق فيها المغرب بشكل بارز مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، علاوة عن الروح التضامنية التي يتشبع بها المغاربة ، كما اتضح ذلك منذ بداية جائحة كورونا.
واليوم وقد ظهرت الحاجة الملحة لاخراج هذا الصندوق الى حيز الوجود إسوة بتجربة البنوك الإسلامية، فقد اصبحنا مطالبين بتجاوز الصعوبات التي تعترض إحداثه، سواء منها التحفظات التي يبديها اصحاب المال ذاتهم الذين يمارسون التملص الضريبي و يتوجسون من ان يشكل هذا الصندوق آلية لتشديد الرقابة على اموالهم، او من طرف المعارضين للتدبير الشرعي لهذه الألية المالية التي قد تتخذ شكل حساب خصوصي و قد تدمج في المنظومة المالية التضامنية، و قد يقوم هناك تصادم بينها وبين نظام الضريبة.
وعلى أي حال الضرورة قائمة و السبل متعددة و النية صادقة، و لكن الهدف واحد وهو كيف نحول اموال الزكاة من صدقة تصرف بحسب الأهواء وبتكتم إلى مورد مالي مؤطر من طرف الدولة.