
د
عبدالنبي مصلوحي
يطرح واقع الحال في بلادنا، ونحن على أبواب عتبة جديدة تبدأ من ثالث تشريعيات في زمن الوثيقة الدستورية الجديدة، وبداية التنزيل الفعلي لتوصيات مناظرة اكادير حول الجهوية، تحديات جديدة وجدية على الأحزاب السياسية التقدمية الحقيقية، وليس الأحزاب الميكروسكوبية التي لا أهداف لها غير التربص بالمال العام وانتظار الدعم، وإنما الأحزاب الحقيقية التي تشكل قوة محترمة في المشهد السياسي الوطني، والمؤهلة بأطرها وكفاءاتها لأن تلعب دورا فاعلا و متقدما في انجاز المهام السياسية المطروحة على مجموع القوى التقدمية والديمقراطية.
وهي مهام تتقاطع بالضرورة، مع انشغالات عموم الشعب، الذي يأمل في انخراط جدي للأحزاب السياسية في الأوراش الكبرى عبر شحذ وتطوير أدواتها التنظيمية وآليات اشتغالها وتكييف أساليب عملها، تعزيزا لسياسات القرب مع القواعد، في ظل مرحلة تاريخية أضحى الانتماء فيها إلى العصر يقيّم من زاوية الفعل والانخراط العملي والنضال من أجل المشروع الحداثي، كمدخل أساسي لتحقيق المناخ العام القادر على إنتاج أسباب الديمقراطية والتأسيس للدولة الحديثة، دولة الحق والقانون، المؤطرة بدستور يجعل من الشعب مصدرا للسيادة والسلطة، ويضمن الكرامة والحرية والعيش الكريم لجميع المواطنين، هذا إلى جانب قضايا أخرى تضعها المرحلة في صدارة قائمة التحديات الكبرى التي تحتل مساحات واسعة في فضاء النقاش العام.
كذلك من الرهانات الكبرى التي يجب أن تشتغل عليها الأحزاب السياسية، والتي تشغل بشكل كبير بال المواطن المغربي في المرحلة الراهنة، مسألة المساهمة في تخليق الحياة العامة، لأنها هي المدخل الحقيقي لأي “حوكمة”، والتي بدونها سيكون الحديث عن النموذج التنموي المرتقب مجرد سراب في سراب.
ولتكون هذه الأحزاب في موقع قوة للتعاطي مع هذه الرهانات التي تشكل تطلعات الشعب، يجب أن يكون أول فعل تقوم به هو اقتلاع أعشاش الفساد من كياناتها، وذلك عبر طرد كل من تحوم حولهم شبهات الفساد.
فالحزب ، يجب أن يتحول إلى مدرسة حقيقية للتربية على الديمقراطية والتخليق والشفافية والمسؤولية واحترام القانون والترشيد، وليس دكانا سياسيا، أو نافذة يتم الولوج عبرها إلى المصالح والمآرب الشخصية الحقيرة..
وإذا لم تكن هذه الأحزاب قادرة على الانخراط في التحديات المطلوبة، والقطع مع النفاق الذي يلبسها، فستكون خارج اهتمامات المواطن، وخاصة الفئات التي تعيش الفقر والهشاشة، والذين تتجاوز أعدادهم 45 في المائة، حسب “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، وستكون مجرد كيانات جوفاء، تحيط بها جماعات من الانتهازيين.
أيضا من التحديات الكبرى التي يجب أن تشغل بال مكونات المشهد السياسي في المغرب، الآن و في القادم من المراحل، قضية بناء الاتحاد المغاربي، فهذا الموضوع يجب أن يكون استراتيجيا، للمساهمة في تأهيل النقاش المغاربي الرسمي، لأن التكامل المغاربي في محيطه الأورومتوسطي، وخاصة على مستواه الاقتصادي، بات في المرحلة الراهنة شرطا لا ثاني له لتأهيل المنطقة وإبعادها عن شبح الخطر الاقتصادي والاجتماعي، وتمكينها من أسباب القوة التفاوضية والبناء التشاركي في عالم يزداد عولمة، لن يكون فيه مكان لغير التكتلات والاقتصاديات الكبرى، حتى تكون قادرة على الوقوف في وجه الاقتصاديات العملاقة التي لا ترحم.