أي لجنة..لأي نموذج تنموي؟

باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس

هوسبريس ـ إسماعيل اكنكو

لازالت الجرائد والمجلات، والمواقع الإخبارية، ومنتديات النقاش العمومي ومنصات التواصل الاجتماعي، تعج بالتحاليل والأفكار التي تتغنى من جهة، وتنتقد من جهة أخرى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي المعينة قبل أيام ، وإذا كان الهدف من ذلك هو استحضار السياقات التي تحيط بتعيين وعمل هذه اللجنة، فلاشك أيضا على أنها لم تكن، حسب الكثيرين،  في مستوى تطلعات وطموحات الكثيرين ممن كانوا يراهنون على تمثيلية واسعة لها بغرض التنوع.

لست بحاجة لأذكر القارئ، أن المغرب ليست هذه هي المرة الأولى التي يعتمد فيها على اللجن والهيئات المؤقتة من أجل خلق نقاش عام داخل المجتمع المغربي لإخراج تصور معين إلى حيز الوجود، نتذكر هيئة الإنصاف والمصالحة، واللجنة الاستشارية للجهوية، ولجنة تعديل الدستور، وغيرها من الإطارات التي غالبا ما أكلت من الزمن ما لايستهان  به دون الوصول إلى الغايات المطلوبة في كثير من الأحيان، ولا أدل على ذلك، الثغرات الموجودة في الدستور، وتصورات الجهوية….، سأكون عدميا إن قلت إن جميع أعمال هذه الهيئات لم تكن موفقة،  بل على العكس من ذلك ان عددا من أفكارها ومقترحاتها كان له بالغ الأثر عند أجرأتها بالرغم من النواقص التي اعترت بعضها.

ما يؤاخذ عن لجنة النموذج التنموي، في رأي العديد من المتابعين، هي أن تركيبتها لا تنهل من عمق المجتمع المغربي، من فلاحين، وعمال، وخبراء في التعليم، والصحة والتشغيل ،وممثلي الشباب والنساء، وغيرها من المشارب والتخصصات التي كان من الضروري أن تمثل في اللجنة، بغية اغنائها وإخراج تصور عام وشامل يمكن اعتماده كنموذج تنموي لما يستقبل من السنوات.

إن تقرير الخمسينية الذي يصنف في خانة التقارير التي لها من المصداقية الشيء الكثير، وضع الإصبع على الداء، وفصل في كثير من جوانبه على كثير من  نواقص بلادنا التي جعلتنا نتقهقر في سلاليم المؤشرات الدولية، حتى أصبحنا نرى دولا تعيش الحروب والويلات أرقى منا تصنيفا، ولعل التقرير أكد في غير موضع أن الميكانيزمات الحقيقية لإقرار التنمية المنشودة، تتلخص أساسا في ثلاثة مستويات رئيسية، تعليم وتكوين جيد، في مقابل صحة وعرض استشفائي أساسي، ناهيك عن دخل فردي محترم للكرامة الإنسانية.

و استحضار تعيين لجنة النموذج التنموي داخل هذا السياق الذي يرسمه تقرير الخمسينية، يطرح علينا سؤالا أساسيا، مفاده أي لجنة نريد لأي نموذج،؟ وهو سؤال في نظري لايمكن الجواب عنه إلا بإعمال اكبر قدر من المنطق الداعي إلى عدم اجترار التشخيص الذي امتلأت به رفوف المؤسسات الدستورية، والهيئات الوطنية، من المندوبية سامية للتخطيط، ومجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي، ولا عدم تكرار تجربة المنتديات التي تستهلك كثيرا من الجهد والطاقة بدون نتيجة.

إن المدخل الحقيقي لتحقيق الغاية المنشودة التي ستبحث عنها اللجنة المذكورة، هو دمقرطة الحياة السياسية، ومحاربة كافة مظاهر الفساد، والريع، وتطهير مؤسسات الدولة من الأشباح، وترسيخ قيم المواطنة الحقة، بربط الحق بالواجب،والسعي إلى بناء الدولة المدنية الحديثة ، التي لا تستند في عمقها إلا على الانتماء للوطن، دون ذلك فلا أعتقد أن هناك ما يشفي غليل المقهورين……

اترك تعليقاً