بقلم: عبد الهادي مزراري
تمر بلادنا في هذه المرحلة بوضعية استثنائية تستمد خصوصيتها من عوامل داخلية وأخرى خارجية. وعلى غرار دول كثيرة في المعمور تعاني تقلبات اقتصادية وسياسية ناجمة بالأساس عن الزلزال الكبير ، الذي ضرب قمة الهرم في النظام الدولي بسبب الحرب الروسبة في أوكرانيا، والتي هي في الواقع حرب بين معسكري الشرق والغرب، قد انطلقت ولن تتوقف حتى تغير النظام العالمي برمته.
في ما يخص وضعية المغرب في هذه التحولات الدولية، وجوابا على التساؤل الذي يطرحه كثيرون منا بشأن ما إذا كانت بلادنا ستكون ضمن الكتلة المنتصرة أم في دائرة الكتلة المنهزمة؟
أقول وبكل تأكيد إن السياسة الخارجية للمغرب أصبحت متقدمة حتى على بعض الدول في الاتحاد الأوروبي، والمغرب يعرف جيدا كيف يبني تحالفاته، وينوع شراكاته، وأصبح يتوفر على موقع إقليمي يجعله رقما صعبا في المعادلات الخاصة بالسياسات الدولية في المنطقة.
لكن السؤال الجوهري، هو هل يكفي أن تكون بلادنا في مأمن بفضل سياستها الخارجية؟.
الجواب يحتمل بعض النسبية، لأن السياسة الخارجية هي عامل مساعد يستمد قوته من عنصرين أساسيين، وهما مكانة قائد الدولة “جلالة الملك” في الوسطين الإقليمي والدولي، وشبكة العلاقات العامة الدولية، التي يتوفر عليها جلالته بصفة شخصية، ثم الوضع الداخلي للبلاد وما يشتمل عليه من قوة اقتصادية واجتماعية وأمنية.
نركز على الوضع الداخلي، ونطرح السؤال التالي، هل قوة المغرب من الداخل في مستوى القوة التي يطمح إليها على الصعيد الخارجي، وتحديدا في ميدانه الإقليمي والقاري؟
في السنوات الثلاث الماضية، واعتبارا من اندلاع جائحة كورونا، تصدر المغرب واجهة الأحداث الجهوية والدولية في ما يخص التعبئة الصحية ضد الجائحة، كما أظهر تقدما جيدا في مجال انتاج الغذاء، وكذلك في تعزيز بعض الصناعات المحلية، فضلا عن اوراش تنموية كبرى كان أطلقها منذ بضع سنين وتتعلق بالبنيات التحتية التي غيرت شكل البلاد، وجاء التقدم الباهر لفريقه الكروي في منديال قطر 2022، ليعطي المغرب عنوان البلد الرائد عربيا وإفريقيا.
لكن هل هذه الإنجازات تكفي لنعتبر المغرب بلدا قويا من الداخل؟
سرعان ما تصدرت ملفات حساسة واجهة الأحداث، ويمكن إجمالها في مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية.
أمامنا الوضعية الهشة لفئات واسعة من سكان البلاد بسبب الارتفاع المهول لأسعار المنتوجات الغذائية، وهي مسألة لم تنجح الحكومة في إيجاد حل لها. ولا يبدو أنها ستنجح.
كانت خرجة مراقبة الاسعار خطة فاشلة تم استخراجها من الثلاجة التي تعود لثمانينيات القرن الماضي، فيما سبب الغلاء ليس في الباعة المباشرين، ولكن في جهات غير مباشرة.
ايضا، لدينا أوراش حكومية متعثرة بسبب قانون ميزانية السنتين الفارطة والحالية.
هناك كذلك، سقطات للحكومة في ملفات أثارت ضجات مفزعة مثل مباراة المحامبن، وحكم قضائي مثير للريبة في موضوع طفلة تعرضت للخطف والاغتصاب، فيما الجناة أنعم عليهم بعطلة قصيرة في السجن.
هذه القضايا على سبيل المثال لا الحصر، جرت الرأي العام الوطني لطرح تساؤلات من قبيل جدوى المخطط الأخطر، وأين اختفى النموذج التنموي؟ وماذا عن اصلاح القضاء والتعليم؟ واين وصل مسلسل الجهوية المتقدمة؟
عندما تطرح هذه الأسئلة وغيرها، لا يجب أن يذهب التفكير السلبي باتجاه الطعن في هذه الاوراش، فهي مبادرات ملكية، ولا يمكن أن نقول بأنها لم تحقق اي نتائج، ولكن التركيز يجب أن يكون منصبا على الطرق والآليات المعتمدة في التفيذ، وهنا مربط الفرس، حيث ترتكب أخطاء كثيرة منها ما هو غير مقصود ويتعلق بوضاعة مستوى المنفذين (انعدام الكفاءة)، ومنها ما هو مقصود ويتعلق يتحويل هذه الاوراش إلى مصادر للمصالح الشخصية.
في مناسابات كثيرة، أثار جلالة الملك هذا الموضوع، حتى أنه بدا أكثر معارضة من المعارضين.
إننا عندما نضع مخططا إصلاحيا، يجب أن نأخذ في الاعتبار اربعة عناصر رئيسية في إنجاحه أو إفشاله، وهي:
1- جودة المخطط
2- خطة التنفيذ
3- آلية التنفيذ (العنصر البشري)
4- توقع الأحداث غير المتوقعة
تتعرض مخططات التنمية والإصلاح غالبا إلى مشاكل ناتجة عن خلل في إحدى هذه العناصر أو فيها مجتمعة، ولذلك تاتي النتائج دون التطلعات.
من هذا كله، يجب أن نضع في الاعتبار القول “إن مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس”، هو أمانة في رقاب الجميع للقطع مع أسلوب الهواة، ووضع حد لزمن التساهل مع الفاشلين والمحتالين والانتهازيين، وتجديد العهد مع القاعدة التي تقول إن قوة المغرب في سلاح التنمية والديموقراطية. وكما قال الفيلسوف اليوناني “إن عمر الإنسان قصير، والتجربة خطيرة، والفرصة ساانحة وقد لا تعود”.