
عبدالنبي مصلوحي
اليوم، وفي هذا الزمن الكوروني، أصبح في حكم المؤكد أن جميع الملايير التي صُرفت على برامج ما سمي بـ”إصلاح التعليم”.. البرنامج الاستعجالي وغيره.. قد هدرت في الخواء، وان ما سمي بالإصلاح كان خدعة، فالتعليم رغم كل هذه الملايير التي رصدت لإخراجه من غرفة الإنعاش مازال يراوح مكانه، بل مرضه يزداد استفحالا واقترابا من السكتة القلبية.
واقعه بئيس لا يوجد حتى في الدول التي يلعلع فيها الرصاص، يمثل نقطة سوداء في الصورة التي يحاول المغرب رسمها حول نفسه. ذلك ما كشفت عنه الجائحة القاتلة التي تشغل الدنيا منذ بداية العام الجاري، ففي الوقت الذي فتحت فيه الدول التي تحرص على تقدم تعليمها مراكز البحث العلمي للاشتغال على اللقاحات لمواجهة الوباء، عدنا نحن المغرب الذي يقدم نفسه للعالم أنه رائد افريقيا وبوابتها في وجه العالم الى الخلف، لنأخذ الصف في طابور الدول المتخلفة التي تنتظر دورها لتسلم اللقاح “صدقة” من دول أخرى..
الجائحة، عرت المستور وفضحت الخطاب الفارغ لحكامنا، خطاب التبجح، فضحته كورونا، وقدمته للشعب على أنه مجرد آلية جوفاء لمسؤولينا لتسويق حقيقة غير موجودة، وأن تعليمنا العمومي هو الحلقة الاضعف الى جانب الصحة.
أسئلة التعليم والصحة والى جانبهما البحث العلمي..أكدت الجائحة اليوم، أنها لم تكن حاضرة كأولويات حقيقية لدى الماسكين بخرائط الطريق لمستقبل هذا الشعب، لأسباب عديدة، منها أن معظمهم لا علاقة لهم بالعلم، ولا ترتبط التنمية لديهم بالشرط المعرفي، فهم في غالبيتهم مجرد نخبة من البيروقراطية المسكونة بالهاجس الأمني والسياسي والاجتماعي الظرفي، وهو ما جعل اوراش إصلاح التعليم الذي ينبثق منه البحث العلمي تفشل في جميع مراحلها..
إن التعليم، منذ السماع بأول ورش اصلاح له، وهو يراوح مكانه الى يومنا هذا..تعليم فاشل وغير نافع، والدليل أن كل مسؤولينا، ابتداء من وزير التعليم نفسه، لا يُدرسون أبناءهم في مدارسه..هناك دراسات تقول إن 98 في المائة من تلاميذ السلك الثانوي التأهيليي في المغرب ينتمون إلى اسر فقيرة أو إلى الطبقة المتوسطة، فيما التلاميذ الذين يتحدرون من أسر ميسورة، فإن نسبتهم لا تتعدى 2 في المائة، وهذه الصورة تلخص لوحدها كل شيء حول واقع المدرسة العمومية، بل وتحدد حتى مستقبلها، فالتعليم العمومي يراد له أن يتخصص في تعليم أبناء الفقراء ، أما الأسر الميسورة فإنها لم تعد تثق في ما يقدمه من منتوج، فبضاعته باتت رديئة ، لذا فقد عمدت إلى سحب أبنائها من مدارسه.
عموما، وباء كورونا، كشف لأعداء التعليم الجيد في بلادنا، أنه هو المحرك الرئيسي لأي مكانة حقيقية في مصاف الدول الجادة والمتقدمة..وفضح هشاشته ومعه البحث العلمي وحتى الصحة العمومية، وفضح الى جانب هذا، اللوبيات الضاغطة ليكون التعليم العمومي على هذه الصورة.
بلادنا ليست نفطية أو لديها غاز، كل ما لديها هو عنصرها البشري الذي يجب تعليمه التعليم الجيد الذي يجعل منه رافعة اقتصادية وتنموية جيدة، فتلاميذ اليوم هم أعمدة الغد في بلد ينشد التقدم والتطور، ولا سبيل إلى هذا غير إنقاذ المدرسة العمومية من الإفلاس قبل فوات الأوان، عبر توفر روح المواطنة الحقيقية لدى كافة المتدخلين، وإبعاد النخبة البيروقراطية الانتهازية عن مجالات تسييره، لأنها هي المسؤولة عن تخلفه عن قصد ، فهي التي أفرغته من محتوياته الجيدة، وعربت ما عربت وفرنست ما فرنست..وختمت ذلك بتدمير الصورة الجيدة التي كانت لدى الأسر حول التعليم، حيث لم يعد في نظرها من آليات الترقي الاجتماعي، بقدر ما غدا مجرد حقل لمضيعة الوقت بالنسبة لابناء الفقراء، لأنه اصبح بلا آفاق، ولم يعد ضامنا للقمة العيش…فهل ستكون كورونا مناسبة للتخلي عن سياسة تدمير المدرسة العمومية؟