

المرحوم الموسيقار الرائع محمد عبد الوهاب له أغنية جميلة، يقول فيها “محلاها عيشة الفلاح”، وانا اقولها وبصوت عالي “محلاها عيشة البهايم” في زمن لا يحب الكبار إلا أن تكون كالبهيمة، لا تفهم لا تسمع لا تتكلم، فقط تأكل لتعمل و تنام و تتكاثر إن لم يحددوا له نسلها وفي النهاية تذبح بسكين الفقر أو الإهمال.
بسبب حرب أكتوبر رسبت في الصف الرابع الثالث الإبتدائي، ولما رجعنا من مدينة كفر البطيخ محافظة دمياط التي كنا مهجرين إليها زمن حرب الإستنزاف إلى قرية سرابيوم الإسماعيلية، امي الله يبارك في عمرها اصّرت أن اعيد السنة مرة اخرى و أكمل تعليمي!!.
الأن حين أجلس معي نفسي و تمر على ذاكرتي كثير من الأحداث أقول لنفسي..
ليه يا حاجة نرجس خلتيني أكمل تعليمي و اشغل دماغي شوية و أفهم ..كنتي سبتيني جاهل ..فما أحلاها عيشة البهايم..آكل و اشتغل و ارجع اخر النهار انام زي البهيمة لا افكر فيما يجري من حولي.. كنتي سبتيني.. يعني التعليم ينفع بإيه في بلد يحكمها جنرلات لا يؤمنون إلا بأنهم خلفاء الله في الأرض فلا أحد يفهم سواهم؟.
للأسف تعليمي خلاني أفكر في اسباب هزيمة حرب عنتر شايل سيفه ورافع صوته في اليمن والتي كانت مقدمة طبيعة لهزيمة ونكسة 1967…كنت خرجتيني من التعليم ازرع و افلح الأرض يمكن أفيد للوطن من التفكير في مصيبة ثغرة الدفرسوار والكوارث التي نتجت عن توقيع معاهدة كامب ديفيد و إنسلاخ وإنبطاح وهرولة الصف العربي بإتجاه إسرائيل..
إيه المشكلة لو فضلت جاهل ولا أفكر في فشل حكومات متتالية في حل مشكلة الدعم كيف يصل لمستحقيه وليه ممودح سالم اللي كان مقرب من دوائر الحكم ايام مبارك لم يدخل المحبس ولو لبضع ساعات على الرغم أنه المسؤول عن أكبر وجبة لأسماك القرش من لحوم المصريين في القرن العشرين ..
يعني كان ضرورى تخليني اكمل تعليمي واقرأ وأتساءل عن مين اللي سرق ونش من وسط القاهرة في عز النهار اللي كان شغال في اعمال المترو ولم يعثر عليه حتي الأن !.
كنتي سبتيني جاهل لا أفكر في مصير بلد يمتلك من الإمكانيات ما تؤهله لمنافسة المانيا واليابان، و رغم ذلك ينتظر الملابس المستعملة من الإمارات ومثقلة ومكبلة بالديون الخارجية لعقود قادمة .
علشان تعرف تنام أحيانا الجهل يكون أفضل من أن تعرف منذ ثورة يناير 2011 وحتى كتابة هذه السطور جرت على أرض المحروسة مجازر و حدثت أهوال بأوامر من الجنرلات الكبار، وتنفيذ حاملي البندقية الضباط الصغار لم يقدم فيها اي ضابط شرطة أو جيش ؟.
سامحك الله امي كثيرا لا اعرف النوم حين أتذكر أن الجنرال الذي يحكم بلد بحجم مصر يوقع بكل بلاهة و حماقة للأثيوبيين لإستكمال بناء سدهم ولا يجرؤ أحد على محاسبته.
بالأمس أمي وقعت مصر إتفاقية ترسيم الحدود مع دولة اليونان ..طيب عرفونا ماذا تم فيها ..بنودها.. مميزاتها.. فنحن أبناء هذه الأرض ولسنا ضيوفا!.
يرد عليك وزير الخارجية السيد سامح شكرى وانت مالك !!. معه حق فنحن في نظرهم بهايم.
المصائب كثيرة لا يمكن حصرها، والمصيبة الأكبر أنك لا تعرف الهروب من التفكير فيها،
لأنك بكل بساطة تعلمت و تمتلك قليلاً من العقل، به تفكر ولا تستطيع الهروب من تساؤلاته الملحة .
على كل حال سامحك الله أمي ..وعزائي الوحيد أني أحبك.