رزق المدني يكتب: عجلة التاريخ

كاتب صحافي مصري مقيم في المغرب

قيم و فلسفة وحركة التاريخ، جميعها تؤكد أن حياة الإمبراطوريات وإن تمددت و إتسعت وسيطرت على وديان و فيافي و سهول وأنهارإلا وينطبق عليها الحكمة الخالدة دوام الحال من المحال ودائم وانت تطالع صفحات التاريخ عليك ألا تنسى الشمس حين تشرق وتتوهج و تنشر اشعتها على مساحات شاسعة من أرض المعمورة وقت الظهيرة ولكن في النهاية تستسلم لمصيرهم و تذهب بعيدة بعد أن تُملّم خيوطها فيختفي ضوئها و تخفت حرارتها فيحل الظلام.

من هذا المنطلق أجد الصراع الحالي بين فرنسا وتركيا سواء كان في اوروبا أو بلدان المغرب العربي ومنطقة جنوب الصحراء و ساحل أفريقيا الغربي. هوصراع بين إمبراطورية منهكة متعبة تلملم أخر اوراقها واخرى تعيد بناء مجدها.

وإذا ما أخذنا الصراع الخفي المعلن بين تركيا و فرنسا في ليبيا وحللنا أسبابه يمكننا أن نفهم جزءا من حركة التاريخ.

روسيا اقل خطورة من الوجود التركي!.

من المعروف أن فرنسا لا تجمعها مصالح مشتركة كثيرة مع روسيا إذا ما قيست بمصالحها مع دول الإتحاد الأوروبي الاقتصادية والعسكرية. ومع ذلك خالفت التوافق الأوروبي التركي في التعاطي مع ملف المشكلة الليبية، وهناك مؤشرات عدة منها:

خروج فرنسا من القوة البحرية التي شكلها الناتو لمنع وصول الأسلحة إلى ليبيا أبان عن وجود خلاف كبير بينها وبين دول الاتحاد الاوروبي بعد الصدام البحري بين قطع البحرية التركية و الفرنسية العاملة ضمن قوة الناتو في شرق المتوسط، كذلك تأييد و تمويل فرنسا للجنرال خليفة حفتر بالسلاح بشكل غير مباشر من خلال الإمارات و مصر في الوقت الذي تعمل فيه على منع وصول السلاح الى حكومة الوفاق الوطنية خصم الجنرال خليفة حفتر.

ولكن ما الذي يجعل فرنسا تتخذ موقفا معاديا من تركيا، مع تأييد و تسليح للجنرال المتقاعد خليفة حفتر … ما الذي يدفع فرنسا لسلوك هذا النهج مخالفة سياسة معظم الدول الأوروبية.

في تصوري لعدة أسباب، إيمان الاتحاد الأوروبي أن تركيا قادرة على بسط الأمن في ليبيا بتحالفها مع الحكومة الشرعية مما سيعيد استقرار الأوضاع الأمنية لأن البديل سيكون مكلفا جدا من خلال نزوح عمليات واسعة للهجرة الأفريقية غير الشرعية إنطلاقا من السواحل الليبية التي تقع على مرمى حجر من الجنوب الأوروبي، خشية الإتحاد الأوروبي من زيادة النفوذ الروسي في ليبيا مما يشكل تهديداً مباشرا للأمن في أوروبا مستقبلا، المنافسة غير المعلنة بين الإقتصاد التركي المتنامي و الفرنسي زاد من خشية فرنسا من فقدانها لأسواق كانت تعتبرها من المسلمات البديهية في عالم التجارة، خوف فرنسا الشديد من إتخاذ تركيا من الأراضي الليبية نقطة للإنطلاق والتوسع غربا ناحية دول المغرب العربي وجنوبا ناحية دول جنوب الصحراء والغرب الأفريقي لنشر مشروعها الحضاري في ارض خصبة تجمع بينها وبين تركيا العثمانية كثير من نقاط التلاقي و المصالح المشتركة و التاريخ و الدين، التخلي عن حليفها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر سيمثل شبه هزيمة للسيد مانويل ماكرون وًخصماً من رصيد فرنسا العسكري والسياسي في علاقاتها مستقبلاً مع أي من الزعامات الأفريقية.

من هنا نجد أن فرنسا تخشى على مناطق نفوذها القديمة، فخروجها منه سيكلفها المزيد من الخسائر في المسقبل القريب على حساب الصاعد الواعد تركيا العثمانية .

  • Related Posts

    خريطة المغرب الكاملة ترفرف في قمة الرقابة المالية بجنوب إفريقيا: إشعاع دبلوماسي ورسائل قوية.

    شاركت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، على رأس وفد مغربي في قمة الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة لدول مجموعة العشرين، المنعقدة يومي 24 و25 يونيو 2025 بمدينة جوهانسبورغ،…

    الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا يؤكد دعم منظمته لسيادة المغرب ووحدته الترابية.

    الرباط – عبّر الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، كاو كيم هورن، عن دعم منظمته الثابت لاحترام سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية، وذلك خلال زيارة عمل رسمية يقوم…

    اترك تعليقاً

    You Missed

    القصر الكبير: تعيين جديد على رأس مصلحة شرطة المرور…. الضابط مصطفى الشاوي أمام تحديات كبرى.

    القصر الكبير: تعيين جديد على رأس مصلحة شرطة المرور…. الضابط مصطفى الشاوي أمام تحديات كبرى.

    قصف إرهابي على السمارة يكشف الوجه الدموي للبوليساريو.. والجزائر في قفص الاتهام.

    قصف إرهابي على السمارة يكشف الوجه الدموي للبوليساريو.. والجزائر في قفص الاتهام.

    إحباط مخطط إرهابي خطير في الرباط بتنسيق مغربي-فرنسي.

    إحباط مخطط إرهابي خطير في الرباط بتنسيق مغربي-فرنسي.

    طرفاية: مدير متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري يسلط الضوء على تاريخ المتحف ومكانته الرمزية.

    طرفاية: مدير متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري يسلط الضوء على تاريخ المتحف ومكانته الرمزية.

    خريطة المغرب الكاملة ترفرف في قمة الرقابة المالية بجنوب إفريقيا: إشعاع دبلوماسي ورسائل قوية.

    خريطة المغرب الكاملة ترفرف في قمة الرقابة المالية بجنوب إفريقيا: إشعاع دبلوماسي ورسائل قوية.

    المغرب يتولى رئاسة لجنة أممية للفضاء بفيينا بدعم إفريقي بالإجماع.

    المغرب يتولى رئاسة لجنة أممية للفضاء بفيينا بدعم إفريقي بالإجماع.