
عبدالنبي مصلوحي
على إيقاع البرد القارس وقسوة العيش والظروف المناخية الصعبة وانعدام الخدمات، يستقبل محتجزو مخيمات تيندوف شهور فصل الشتاء، حيث تفيد المعطيات المُحصل عليها من هناك أن هشاشة واقع الحال في هذه المخيمات البدائية تزاداد يوما بعد يوم استفحالا وتعقدا، وأن المحتجزين، يعانون نقصا حادا في المواد الأساسية، وفي الأغطية وإمكانات التدفئة، والأدوية….وحليب الأطفال..
الكثير من التقارير الحقوقية الصادرة بالتزامن مع بداية موسم الشتاء تشير إلى أن محتجزي المخيمات في منطقة تيندوف الجزائرية يعيشون أوضاعا مزرية، تتراوح بين سوء المعاملة والحرمان من كافة الحقوق الأساسية والتنكيل. وحسب المعطيات المتوفرة، فإن العنوان الأبرز لمعاناة هذه الفئة التي قُدر لها أن تسقط في شراك عصابة البوليساريو بعمق الصحراء الجزائرية، هو سوء التغذية وغياب الرعاية الصحية والتطبيب، إلى جانب الحرمان من الحصول على أوراق الهوية والحصار المطلق من قبل ميليشيات البوليساريو والجيش الجزائري ومخابراته، خوفا من هروب الصحراويين المحتجزين نحو وطنهم المغرب.
مخيمات، تصفها التقارير بـ “الجحيم”، أبسط الحقوق هناك منعدمة، أغلب المحتجزين لا تزال أسرهم حبيسة “خيمة يتيمة” منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، ولا تسمح لهم الظروف المادية الصعبة بإضافة مسكن آخر لاستيعاب نمو الأسر والعائلات، و لا تبادر البُوليساريو ببناء منازل أخرى لمواكبة التزايد السكاني، الأمر الذي جعل الكثير منهم عُرضة للتشرد والبرد القارس في شهور الشتاء، والحر في فصل الصيف.
مثلما تؤكد ذات التقارير أن هذه المخيمات على أبواب مجاعة حقيقية، بسبب احتراف قيادات جبهة البوليساريو الانفصالية بمعية بعض رموز النظام الجزائري الاتجار في السوق السوداء بالمواد الغذائية الممنوحة لهؤلاء المحتجزين من قبل المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، محولين معاناتهم إلى أصل تجاري يذر عليهم أموالا طائلة، غير مبالين بما يمكن أن ينتج عن هذه الأفعال الإجرامية من تجويع وتشريد، وحتى المساءلة الدولية لا يخشونها.
وهي المعلومات التي تؤكدها شهادات العائدين الذين ينجحون في الهروب إلى المغرب، حيث يتحدثون عن حجم المعاناة التي يعيشها المحتجزون، إلى جانب الكشف عن تورط قادة جبهة البوليساريو الانفصالية في قضايا كثيرة يُجرمها القانون الدولي، من قبيل الاستغلال والعنف الجنسي والتعذيب والاتجارة في الأطفال و الاعتقال التعسفي، وهذه المعطيات تزكيها الكثير من المنظمات الحقوقية التي زارت هذه المخيمات، من بينها منظمة هيومن رايتس ووتش، التي أكدت أكثر من مرة في تقارير لها أن المرأة الصحراوية تتعرض في مخيمات تيندوف لظاهرة الزواج القسري وتغتصب براءتها وتُستغل في البغاء وفي أعْمال إباحية، وهناك شهادات حية لعائدات إلى أرض الوطن.
ولأنه لكل صبر حدود، فإن العديد من ساكنة هذا الجحيم في قلب صحراء الجزائر، راسلوا مرارا الأمم المتحدة، وغيرها من الهيئات الدولية، يطالبون بتوسيع قاعدة المشاركة في المفاوضات بين البوليساريو والمغرب، لتشمل كل الممثلين الحقيقيين للصحراويين، سواء بالأقاليم الجنوبية للمملكة، أو بمخيمات الاحتجاز في الجزائر، بهدف الوصول إلى حل سياسي نهائي ينهي معاناتهم التي لا أفق لحلها في ظل حرص قيادة البوليساريو التي لا تمثل غير من يحضنها ويرعاها، على بقاء الحال على حاله.
فإلى متى سيظل العالم يتفرج على هذه المأساة الإنسانية؟