هل يمكن أن يكون القانون الجنائي فوق الدستور؟

اسماعيل اكنكو باحث في العلوم السياسية

 

هوسبريس ـ إسماعيل اكنكو

لاشك ان الجميع يتفق على ان القانون الجنائي له مكانة رفيعة في المنظومة القانونية الوطنية، على اعتبار أنه هو من يحدد المحظور والمسموح به في إطار ممارسة الحريات، والفردية منها بالخصوص، لكن هل يمكن له أن يكون قانونا أسمى فوق الدستور؟

مطلقا لا، فالدستور يبقى هو القانون العلوي في الدولة ولا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة، لانه محط إجماع وتوافق الأغلبية الساحقة من أفراد المجتمع، وهو الذي ينظم قواعد الاشتغال والعمل داخل الدولة، ان استدعاء هذا الكلام في هذا السياق ليس من أجل إعادة التذكير بسمو الدستور، بل من أجل التأكيد على أن النقاش المطروح اليوم في موضوع تعديل جزئي لمنظومة القانون له راهنيته، والضرورة التي تفرزه، وفرضته اعتبارات موضوعية، ومجتمعية، لعل أبرزها ان القانون المذكور يقيد عددا من المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحريات الفردية، كحرية المعتقد والعلاقات الاجتماعية، وغيرها مما لايتسع المقام لذكره ها هنا.

لا غرابة إن حدث هنالك نقاش محتدم بين أفراد المجتمع، بخصوص هذا القانون، وما يطرحه من اشكالات، فالأمر طبيعي بحكم حيوية المجتمع المغربي، وتعدد اطيافه بين قوى محافظة تسعى الى الجمود والركون إلى خلفيات معينة قد يكون الزمن تجاوزها، وبين قوى حداثية تقدمية تسعى جاهدة إلى إبراز دورها في تحديث القوانين بما يعزز موقفها الداعي إلى الانفتاح وإقرار واضح للحريات بما فيه، الإيقاف الطبي للحمل، والعلاقات الرضائية بين البالغين، وحرية التدين، وغيرها كثير مما تنادي به.

دعوني استدعي في هذا الإطار، الموقف الأخير للمجلس العلمي الأعلى، لأبرز الخلفية الدينية التي أريد لها ان تكون سامية على الدستور، و يراد لها أيضا أن تبقى حبيسة الجمود الفكري، الخالي من أي اجتهاد، يؤدي بالضرورة إلى معانقة القانون لواقع المجتمع، بل تجاوزت منطق الحوار والافتاء إلى منطق فرض الهيمنة، وتوجيه المؤسسة البرلمانية التي لها الحق حصرا في إنتاج التشريعات المناسبة بناء على ما توافق عليه المغاربة دستوريا.

إن فتوى المجلس العلمي الأعلى بخصوص موضوع الاجهاض، أعادت نقاش الحريات إلى مربع الصفر، أكدت بالحجة والبرهان على ان الماسكين بزمام الأمور، لا يعيشون واقع المجتمع المغربي اليوم، الذي يعج بالاجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، واستبدال الديانة، والمثلية وكثير من الظواهرالخارجة عن التقنين الذي تحتاجه بما لا يتنافى طبعا مع قيم المجتمع، الذي لايمكن أن نصفه بالمحافظ الجامد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصفه بالمتقدم حد العلمانية المفرطة، وبين هذا وذاك، فالاحداث التي عشناها مؤخرا في بلادنا، والتي نعيشها تقتضي توسيع دائرة النقاش المجتمعي حول منظومة القانون الجنائي، حتى نصل إلى غاية تحديث مجتمعنا.

  • Related Posts

    حرية التعبير بين الصحافة المهنية والفوضى في مواقع التواصل.

    أكد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن المملكة المغربية تشهد تطورًا ملحوظًا في مجال حرية الرأي والتعبير والتعددية، مشيرًا إلى أن عدد المواقع الإلكترونية بالمغرب بلغ 988 موقعًا،…

    انتقادات أوروبية حادة للجزائر بعد اعتقال الكاتب بوعلام صنصال

    تواجه الجزائر موجة من الانتقادات في البرلمان الأوروبي عقب اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، على خلفية تصريحات طالت حدود البلاد، وقد أثار توقيف صنصال تنديدًا واسعًا اعتبره…

    اترك تعليقاً

    You Missed

    القصر الكبير: تعيين جديد على رأس مصلحة شرطة المرور…. الضابط مصطفى الشاوي أمام تحديات كبرى.

    القصر الكبير: تعيين جديد على رأس مصلحة شرطة المرور…. الضابط مصطفى الشاوي أمام تحديات كبرى.

    قصف إرهابي على السمارة يكشف الوجه الدموي للبوليساريو.. والجزائر في قفص الاتهام.

    قصف إرهابي على السمارة يكشف الوجه الدموي للبوليساريو.. والجزائر في قفص الاتهام.

    إحباط مخطط إرهابي خطير في الرباط بتنسيق مغربي-فرنسي.

    إحباط مخطط إرهابي خطير في الرباط بتنسيق مغربي-فرنسي.

    طرفاية: مدير متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري يسلط الضوء على تاريخ المتحف ومكانته الرمزية.

    طرفاية: مدير متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري يسلط الضوء على تاريخ المتحف ومكانته الرمزية.

    خريطة المغرب الكاملة ترفرف في قمة الرقابة المالية بجنوب إفريقيا: إشعاع دبلوماسي ورسائل قوية.

    خريطة المغرب الكاملة ترفرف في قمة الرقابة المالية بجنوب إفريقيا: إشعاع دبلوماسي ورسائل قوية.

    المغرب يتولى رئاسة لجنة أممية للفضاء بفيينا بدعم إفريقي بالإجماع.

    المغرب يتولى رئاسة لجنة أممية للفضاء بفيينا بدعم إفريقي بالإجماع.