المتقاعد هنا … والمتقاعد هناك

 

حاء غين ـ هوسبريس

عادة، عندما يحصل المواطن على تقاعده، يخلد إلى الركون والانطواء..والجلوس.. بمعنى الجمود.. وليس إلى الحركة والتحرك والقيام بما من شأنه أن يجعله يعيش مرحلة أخرى من حياته تختلف تماما عن  المراحل السابقة التي كان فيها موظفا أو مستخدما في القطاع العام أو الخاص..

كما أن الثقافة السائدة في المجتمع ، تعتبر المتقاعد انتهى وانتهت مهمته ؛ ومن الأفضل له أن يلتحق بجحافل المتقاعدين في زاوية من زوايا الحي الذي يقطن به ،و”يقتل” معهم الوقت في لعب الورق “الكارتا أو “الضَّامَا”.. من طلوع الشمس إلى غروبها ، أو يقضي ما بقي من عمره في مُلاَزَمَة مسجد الحي ،للصلاة والتعبّد ويطلب الرحمة والمغفرة ممَّا تقَدَّم من الذنوب والمعاصي وما تأخّر..

بمعنى آخر، المتقاعد في الثقافة السائدة انتهت صلاحيته، ويجب أن يُلْقَى على الهامش.. كما تُلْقَى أعقاب  السجائر أو أي شيء انتهت صلاحيته ، ولم يعد يصلح أو ينفع في أي شيء..

هذه الصورة مخالفة، كُلِّيَة، لصورة وحال المتقاعد في الدول المتقدمة التي تضمن لمتقاعديها مختلف أسباب العيش الكريم التي تسمح له بأن يعيش حياة أخرى لا علاقة لها بالحياة العملية المهنية التي كانت تُشْغله عن القيام بأنشطة أخرى.. فتراه يستغل فترة تقاعده ليقوم بأعمال لم تسمح له حياته السابقة بأن ينجزها ،أو يُعِدُّ العُدَّة للقيام بجولة أو أسفار منظَّمَة في قارة أو بلدان أجنبية ،أو يمارس هوايته المفضلة كالرسم والموسيقى أو الكتابة أو الصيد أو الاعتناء بالنباتات والحيوانات ،أو الانخراط في عمل إنساني …

المتقاعد في العالم المتقدم تهتم وتعتني به حكومته أشد ما يكون الاهتمام والعناية، ليحصل ويتمتع بتقاعد مريح. أما في العالم المتخلف، فإن الحكومة تظل تطارد الشخص حتى في تقاعده، وأقل شيء تخضعه ومعاشه، الهزيل، إلى الضرائب، وكأن هذه الحكومة لم تقنع من استغلاله أكثر من ثلاثين سنة أفناها في الخدمة، ومن الاقتطاعات باسم الضريبة على الدخل.. مع أن الحكومة تعرف أنها استنزفت كل جهده ،وكل مدخوله ..ولم يبق له سوى الفُتات ..بل يتضح أن الحكومة لم تشبع من الاقتطاعات التي فرضتها على امتداد عقود من الاستغلال ..

لذلك فالمتقاعد هنا لا علاقة ولا مقارنة بينه وبين المتقاعد هناك. ولعل الصورة المرفقة مع المقال تُغني عن أي تعليق…

 

اترك تعليقاً